نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المسؤوليات العشر للمدير والقائد: الاستفادة من المعلومات والإحصاءات‏

آية الله ناصر مكارم الشيرازي‏

* النقاط الملفتة في معركة الأحزاب‏
1- كانت معركة الأحزاب آخر مساعي الكفار، والسهم الأخير الذي استله المشركون وآخر استعراض للقوة مقابل "التوحيد"، ولهذا عندما وقف "عمرو بن عبد ود" الذي كان أشد أبطال المشركين مقابل أعظم مقاتلي الإسلام، علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله". لأن انتصار أحدهما هو انتصار للمبدأ الذي يقاتل من أجله، وبتعبير آخر كانت المبارزة على وشك أن تحدد مصير الإسلام والشرك، وكلن رسول الله يشير إلى هذه المسألة جيداً.

2- لم يكن لحفر الخندق مثيل في الجزيرة العربية (اقتراح سلمان الفارسي)، فحاز على أهمية فائقة من الناحية المعنوية والعسكرية، وسدد هذا الفعل ضربة قاسية للأحزاب.
ونحن اليوم ليس لدينا معلومات كافية حول الخندق، ولكن المؤرخين ذكروا أن عرضه كان بمسافة لا يستطيع أحد من فرسان الأعداء القفز فوقها، وكان عمقه بالقدر الذي يصعب على أي واحد الخروج منه بسهولة.
إضافة إلى أن تسلط رماة المسلمين على منطقة الخندق جعل من المستحيل على أي واحد أن ينجو من سهامهم حين نزوله في الخندق.

كانت إدارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حفر الخندق مدهشة جداً، فقد جعل كل عشرة يحفرون 40 ذراعاً (حوالي 20 متراً)، وكان معهم في العمل، وبالالتفات إلى أن عدد جيش الإسلام حسب المشهور كان يبلغ ثلاثة آلاف فقد وصل طول الخندق إلى 12 ألف ذراعاً أي حوالي ستة آلاف متر، ويقول بعض المؤرخين، أن مدة حفره استغرقت 6 أيام.
وينقل عن ابن هشام أن المسلمين كانوا يشتغلون بالحفر في النهار ويرجعون إلى منازلهم في الليل، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد نصب خيمة على إحدى التلال القريبة من الخندق حيث بني مسجد ذناب فيما بعد.

وينبغي الاعتراف بأن حفر مثل ذلك الخندق بالأدوات المعهودة في ذلك الوقت كان في غاية الصعوبة والمشقة، إضافة إلى الوقت الطويل الذي يحتاجه، ولكن الملفت في الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استطاع أن ينهي حفره قبل وصول الكفار بثلاثة أيام إلى المدينة، فألقى في قلوبهم الحيرة والضياع.

3- كان لثبات النبي وجنوده بالرغم من الجوع الشديد وقلة المواد الغذائية إضافة إلى سوء الأحوال الجوية أثراً عظيماً في تراجع الأحزاب الذين لم يقدروا على الهجوم دفعة واحدة لتحطيم الجيش الإسلامي. فبقي الكفار والمشركون شهراً كاملاً في مواقعهم بدون أي تقدم عسكري، وإذا أضفنا عدم اعتياد العرب على مثل هذه الأعمال الحربية الطويلة علمنا سبب انكسارهم في هذه المعركة.

4- وقوف المسلمين مقابل بعض الفرسان الذين تمكنوا من عبور الخندق كان له أثراً شديداً في إلقاء الرعب في قلوب المشركين وتحطيم معنوياتهم، فقد أدركوا أن القيام بمثل هذه الأعمال لن يؤدي إلى نتيجة.

5- الدوريات التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرسلها لحماية الثغرات أضافت إلى أسهم المسلمين فرصاً كبيرة للفوز والانتصار.

6- دور "نعيم بن مسعود" في إيجاد الاختلاف والتنازع بين المشركين. هذا الدور الذي بيّن أهمية الحرب النفسية في الحروب العسكرية وقدرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في استخدام هذا السلاح.

7- الانسجام والتعاون السائد بين المسلمين إضافة إلى الانضباط الشديد وإطاعة القائد، كل هذا جعل عوامل النصر والتقدم أكثر قوة.

8- لقد أدركت قريش في نهاية هذه المعركة أن سعيها لأجل القضاء على رسالة الإسلام عن طريق القوة العسكرية لن يؤدي إلى أية نتيجة، خاصة بعد أن جمعوا في هذه الحرب أقوى قوة عسكرية في جزيرة العرب.

9- كان الهدف الأساسي للنبي إيصال المشركين إلى هذه النتيجة، لأن كل حزب منهم بعدها لن يقدر على حشد مثل هذه القوات، وبالتالي سوف يشعر بعدم قدرته على مواجهة المسلمين لوحده مما يؤدي إلى انتقال المبادرة إلى أيدي المسلمين الذي سيوجهون سير المعارك في المستقبل.

10- كانت عوامل انتصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجيش الإسلام في ميدان معركة الأحزاب إضافة إلى التأييد الإلهي بواسطة الجنود غير المرئيين والريح العاصف التي هزّت المشركين وأشير إليها في القرآن، مجموعةً من الأساليب العسكرية والسياسية مصحوبة مع عوامل الثقافة المهمة وإدارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العظيمة.
فبقبوله لفكرة حفر الخندق أدخل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عنصراً جديداً إلى معارك العرب لم يكن معروفاً حتى ذلك الزمان وقد أثر أثراً بالغاً في رفع معنويات المسلمين وتحطيم عزائم المشركين. وكانت المواقع العسكرية التي اتخذها المسلمون حول الخندق والتكتيك العسكري المستعمل تضيف عوامل أخرى إلى المعركة.
وكان لمقتل "عمرو بن عبد ود" على يد بطل الإسلام علي بن أبي طالب عليه السلام سقوطاً لأسس الآمال التي علّق عليها الأحزاب.

إن الإيمان بالله والتوكل عليه بذور غرست في قلوب المسلمين بواسطة الانقلاب العقائدي والثقافي، وذكر الله وتلاوة آيات القرآن الذي ملأ أجواء المعركة وحضور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل الساحات والصبر العظيم؛ كل هذه فواصل مهمة في النصر المبين.
كما ذكرنا، إن حركة "نعيم بن مسعود" كانت عاملاً مؤثراً في إيجاد التفرقة والتضعضع في معسكر المشركين.

وتروي القصة أن نعيم الذي كان قد أسلم مؤخراً دون علم قبيلة "غطفان" بذلك، قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرض عليه التدخل والمساعدة في الحرب.
فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يوجد مثلك عندنا اثنان، فإذا استطعت أن تزرع الشقاق بين الأحزاب، فافعل".
فأسرع "نعيم بن مسعود" يحمل خطة إلى يهود "بني قريظة" الذين كانت له معهم سابقة حسنة وقال لهم: يا بني قريظة تعلمون أنني أنصحكم القول؟
قالوا: بلى، ونحن لا نتهمك أبداً. قال: إن قريش وغطفان ليسوا مثلكم، فإن المدينة مدينتكم والأموال أموالكم والأبناء أبناءكم، وأنتم لا تستطيعون أن تغادروها. أما قريش وغطفان فقد أقبلوا لحرب محمد وأنتم تحاربون معهم، أما أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ففي مكان بعيد، فإذا قدروا أغاروا وإذا عجزوا رجعوا. فستبقون أنتم لوحدكم مقابل محمد وجيشه. فلا تحملوا سلاحكم ولا تقاتلوا حتى تأخذوا موثقاً من قريش وغطفان بأن يقدموا لكم من أشرافهم رجالاً كرهائن وإثبات على حسن نواياهم.
فأعجب بنو قريظة بالاقتراح.
ثم أسرع نعيم إلى قريش وقابل أبو سفيان وقال له: أنكم تعلمون منزلتي عندكم، وقد وصلني خبر أرى من واجبي أن أطلعكم عليه بشرط أن لا تنقلوه عني.
فقالوا له: اطمئن لذلك.
قال: أتعلمون أن جماعة من اليهود قد ندموا على محاربة محمد وقد أرسلوا له رسولاً بذلك وقالوا له: أيكفيك أن نرسل لك رجالاً من أشراف قريش وغطفان تأخذهم كأسرى لتعفو عنا ونقبل إليك. وقد وافقهم على ذلك. لهذا فإذا طلبوا منكم ذلك لا ترسلوا إليهم أحداً.
ثم أسرع إلى قبيلة غطفان وكرر عليهم ما قاله لقريش.
واتفق أن أرسلت قريش ليلة السبت إلى اليهود أنها تريد الهجوم في اليوم التالي. فأجاب اليهود أنهم لا يقاتلون السبت، ويخشون إذا اشتد الأمر على قريش أن تتراجع عن القتال لهذا فهم يريدون رهائن منها.
ما إن وصل الخبر إلى قريش حتى علمت أن "نعيم بن مسعود" كان محقاً في كلامه، وأقسمت أن لا تعطيهم أحداً إلا أن يقاتلوا.
وكذلك عندما علم اليهود بما أقسمت عليه قريش أدركوا أن نعيماً كان محقاً، فأقسموا على عدم القتال.
وهكذا دب الخلاف في معسكر الأحزاب وفشت العداوة بينهم، وفي هذه الأثناء هبت عليهم ريحاً صرصراً فألقت أوعيتهم واقتلعت خيمهم وحطمت موائدهم.
فاجتمعت هذه العوامل كلها لتؤكد لقريش أن الفرار أفضل قرار فلم يبق منهم أحداً.

ومما لا شك فيه أن استخدام هذه الأساليب لم يكن ممكناً بدون الحصول على معلومات واسعة ودقيقة عن أوضاع العدو.
قلنا أن على كل مدير وقائد أن يحوز على المعلومات الكافية فيما يتعلق بمديريته أو تنظيمه، وعليه أيضاً أن يطّلع بشكل كاف على كافة الأحداث والمجريات المرتبطة بحركته لكي ينظم تحركاته بأفضل صورة للوصول إلى الأهداف المرسومة.
ولا يعني هذا أن يشغل نفسه بالمعلومات والإحصاءات التي لا ترتبط بأعماله لا من قريب ولا بعيد لأن هذا سوف يمنعه من الاهتمام بأعماله الأساسية.

وفي رسالته إلى "الحارث الهمداني" عامله وأحد فقهاء الشيعة الكبار يقول علي عليه السلام: "واقصر رأيك على ما يعنيك".
وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
ويقول المرحوم "الفيض الكاشاني" أن رأسمال الإنسان الحقيقي هو وقته، فلا ينبغي أن يصرفه أبداً في المسائل الثانوية أو الهامشية.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأبي ذر الغفاري: "يا أبا ذر ثلاثة أعلمك إياها سهلة في العمل وثقيلة في الميزان: الصمت، وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك".

* أهم الشروط لأجهزة المعلومات والإحصاءات هي:

1- أن تدور حول محور الواقعية، لأنه لا يوجد أخطر من المعلومات الكاذبة ولا يغرّنك ما تحبه.
ولا يكفي القول هنا بصحة الخبر، فيمكن أن يكون منشأة صحيحاً ولكن كميته أو كيفيته باطلة.
وللأسف الشديد فإننا نشاهد عبر التاريخ مآس وحوادث مؤلمة كان سببها هذا الأمر، وذلك يرجع إلى الأمور التالية:
أ- ما يضفيه المخبرون أو العاملون في هذا المجال من آراء خاصة بما يتناسب ومصلحتهم أو مصالح فئاتهم. فيقدمون الخبر كما يريدون لا كما ينبغي.

ب- عدم الجرأة في تقبل الواقعيات المرة. فنجد بعض المدراء ليسوا مستعدين لسماع مثل هذه الأمور مما يجعل العاملين معهم يتجنبون نقلها أو يعكسونها.

ج- الميل إلى الهدوء الكاذب يبعد الإنسان عن قبول الوقائع. وكذلك وجود الأفراد المتملقين والوصوليين.

د- الاعتماد على المصادر الضعيفة والوقوع ضحية التفاؤل الزائد أو سوء الظن الزائد عن حده.
فللحصول على المعلومات الصحيحة ينبغي استخدام الأفراد الشجعان وأصحاب الهمم العالية والملتزمين والدقيقين والأمناء. ومع قلتهم ينبغي إيجادهم وتربيتهم.

2- لا ينبغي أن يتجسس المدير المسلم على الحياة الخاصة للأفراد لأن هذا خلاف صريح للقرآن ويؤدي إلى فقدان الثقة بينه وبين العاملين معه. يقول القرآن الكريم في هذا المجال: ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً.
ففي هذه الآية ذكر سوء الظن في البداية ثم التجسس ثم الغيبة. لماذا؟ لأن هذه الأمور ترتبط ببعضها البعض، فسوء الظن أساس التجسس الذي يؤدي إلى الغيبة، وكل هذا يؤدي إلى تزلزل العلاقات التي هي أساس العمل المنظم.
والتجسس هو كشف الأمور التي لا يرضى صاحبها بكشفها. لأن معظم ما يخفيه الناس هو الأمور السيئة. فكشفها يؤدي إلى ضياع الحرية. ولهذا لم يجز الإسلام مثل هذا الأمر.
وقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم..".

3- ينبغي أن تكون المعلومات دائماً بصورة إحصائية، فالمعلومات العامة والكلية لا تفيد شيئاً ويمكن أن توقع المدير في عواقب وخيمة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دائماً يطلب في المعلومات الكم والنوع بالدقة.

4- ينبغي أن يبقى سير المعلومات مستمراً ومنظماً، فإن العديد من المسائل لا تظهر بدقة إلا بعد عدة مقاطع ومع مرور الزمان.

5- لا ينبغي الاعتماد على الذاكرة في حفظ المعلومات فقط، وإنما الكتابة الواضحة. ولهذا نجد أمراً إسلامياً في الروايات: "قيّدوا العلم بالكتابة".

6- ينبغي أن يبقى المدير والقائد مطلعاً على أحوال العاملين عنده، ولهذا عليه أن يضع من يستأمنهم على الاطلاع على أوضاع العاملين أيضاً ليوصلوا إليه أدق المعلومات.
ونجد أمير المؤمنين علياً عليه السلام في فترة حكومته يستخدم بعض عماله الثقاة ليحصلوا له أخبار ولاته عن قرب، ولهذا نجده في رسائله إليهم يبيّن لهم ما وصل إليه. ونحن هنا ننقل نموذجاً من تلك الرسائل. منها ما جاء بشأن عامله على البصرة "عثمان بن حنيف".
فقد كان عثمان بن حنيف رجلاً كبيراً له سوابق في الإسلام، وقد دعي ذات ليلة إلى مأدبة غداء. فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام:
"أما بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو...". ومن كلمة "بلغني" نعلم أن الإمام كان قد عين من يوصل له أخبار ولاته بدقة.
وعنه عليه السلام في وصية لأحد قادته "كعب بن مالك": "أما بعد.. وأخرج طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة بعد كورة فتسألهم عن أعمالهم وتنظر في سيرتهم".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع