مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

كيف تفكّر بإيجابيّة؟

د. علي كريّم


أن تفكّر بإيجابيّة، تحدٍّ ليس بالسهل. وأن تتعامل بإيجابيّة، فأنت تحتاج إلى بعض المقوِّمات. وأن تستحضر سلوكاً إيجابيّاً، يستلزم الأمر منك بعض المهارات الذاتيّة. ولكن، أن تحوّل طرق التفكير، وأنماط التعامل، ودوافع السلوك من السلبيّة إلى الإيجابيّة، فالمطلوب حينها الكثير من الاستعدادات والمقوّمات والمهارات. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟

* اكتشف نفسك
في البداية، من الضروري للإنسان أن يُصنِّف نفسه في أيّ خانة يريد أن يكون؛ ليبدأ العمل عليها؛ فهل يريد أن يكون:

- ممّن يفكّر في الحلّ أم في المشكلة؟

- ممّن يساعد الآخرين، أم ينتظر المساعدة؟

- ممّن يقدِّم الحلّ لكلّ مشكلة، أم يختلق مشكلة في كلّ حلّ؟

- ممّن يسعى لتحقيق الأحلام، أم وضع العوائق؟

- ممّن يعامل الناس كما يحبّ أن يعاملوه، أم يخدعهم قبل أن يخدعوه؟

- ممّن يرى في العمل أملاً، أم يرى فيه ألماً؟

- ممّن يصنع الحدث، أم يصنعه الحدث؟

- ممّن ينظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب، أم الفارغ؟

- ممّن يحمل أخاه على سبعين محملاً من الخير، أم يترقّب عثراته وزلّاته؟

- ممّن يعذر الغائب، أم يتحامل عليه؟

* آفة السلبيّة
بالنظر إلى عموم واقع الحياة، يتذمّر الكثير من الناس تُجاه أبسط العقبات، ويتشاءمون إزاء مواقف عابرة، وتنقلب أمزجتهم رأساً على عقب، في حال لم يصلوا إلى ما كانوا يصبون إليه. ولكنّنا إزاء ما لدينا، يبقى الرصيد الدينيّ والمعرفيّ والثقافيّ مخزوناً ضابطاً من أن تستفحل السلبيّة إلى حدٍّ قد يدفع إلى اليأس أو الانتحار، كما يشهد ذلك بعض مجتمعات العالم، التي تخلّت عن الدين كمنظومة حياتيّة.

أمّا تحويل السلوكات وأنماط التفكير والشخصيّات من السلب إلى الإيجاب، فيحتاج إلى تأسيس منهجيّ عند الإنسان؛ للبناء على قاعدة صلبة في النظرةإلى النفس، وإلى الآخرين، وإلى الحياة كلّها من حولنا.

* عشر قواعد لتفكّر بإيجابية
يعرّف بعض المتخصّصين في علوم التنمية الذاتيّة التفكيـــر الإيجابيّ، بأنّه مجموعـــة المهــــارات المكتسبـــــة التي تمكِّن الإنســــان من التغلّب على مشاكلـه. ويراه آخرون أنّه التفاؤل، أو بدايــــة الطـــريق للنجـــــــاح. ويمكن تعريفه بـ: "كلّ نمط تفكير يساهم في التعرّف الصحيح على المشاكل التي يواجهها الإنسان، ونمط الفكر اللازم لحلّها، وأسلوب العمل اللازم لتنفيذ هذه الحلول على أرض الواقع"(1). 

مع بساطة التعريف، إلّا أنّ تطبيقه قد يحتاج إلى كثيرٍ من القواعد المساعدة على تحوّل السلبيّ إلى إيجابيّ. وممّا يمكن البناء عليه؛ هو القواعد العشرة التالية:

1- النظرة إلى الذات: من المفاتيح الأساسيّة لتحويل السلبيّ إلى الإيجابيّ، هو الانطلاق من رؤية الإنسان لذاته؛ فعندما يرى نفسه بموقع التكريم الإلهيّ، وأنّه أفضل المخلوقات(2)، لا بدّ أن يقدِّر قيمة نفسه ووجوده، وهو مدعوّ بهذا التكريم إلى التفكير، والتفكّر، والتأمّل، والتبصّر، والتدبّر، والتحليل، وغيرها من التوجيهات القرآنيّة، وكلّها بهدف رفع القيمة الإنسانيّة إلى مصاف التكريم الإلهيّ لها.

2- الارتكاز على منظومة قيميّة مُطمْئِنة: تمثّل هواجس الإنسان والإشكاليّات التي لا يملك جواباً عليها، باعثاً للقلق، فعندما يواجه تحدّيات الحياة ومصاعبها، تعتريه السلبيّة، فيضعف أمامها ولا يقوى على مواجهتها، فيُصاب بالإحباط. ولكن، حال تبنّيه لمنظومة تجيبه عن كلّ ما يواجهه، فإنّ ذلك سيبعث الطمأنينة في نفسه، ويجعله يُقدم على ما يجب أن يُقدم عليه بدافعيّة الإيجاب لا السلب. وهنا، تبرز ميزة الإسلام وعظمته في ربط الإنسان بالله تعالى، من خلال علاقة إيمانيّة، تتجلّى فيها الطمأنينة بأبهى تجلّياتها(3).

3- فهم حقيقة الحياة: بالنظر إلى واقع الحياة التي نعيشها، لا بدّ من التسليم بأنّها ساحة فيها الصواب والخطأ، السليم والسقيم، الجيّد والسيّئ، الصالح والطالح، وغيرها، حتّى ولو بدر ذلك من أقرب الأفراد؛ وهذا يبعث على التعامل بواقعيّة دقيقة، وأن لا ترتفع أسقف التوقّعات إلى حدود مثالية بعيدة عن الواقع؛ وإلّا فإنّ كلّ توقّع لا يصل إلى منتهاه، سيُحبط الإنسان، ويعيش معه اليأس والسلبيّة. وعليه، لا بدّ من البحث دوماً عن الجوانب الإيجابيّة، وتقديمها على السلبيّة، فالحالتان موجودتان في الحياة.

4- حُسن التعامل مع الواقع: إنّ التعامل مع الواقع برضى نفس وقناعة، يجعل الإنسان أكثر سعادة وطمأنينة. والإنسان الكثير التذمّر والساخط بما قُسّم له من الرزق -على اختلافه- يجلب التعاسة لنفسه، بل يجرّ الكآبة والقلق إلى داخله؛ ولعلّ هذا يفسّر ما يعانيه بعض الناس من القلق الدائم من الأمراض، والحزن على ما قد يؤول إليه وضعهم، وهو في حدّ ذاته يزيد من احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة، وصعوبة الشفاء منها.

5- الإيمان بالقدرة على تحقيق الأفضل: كلّ إنسان يمتلك في ذاته قدرات هائلة، وعندما يحرص على استثمار هذه القدرات، فإنّه سيشقّ طريقه في تطوير ذاته لتحقيق الأفضل على الدوام. وفي طريقه، ستعترضه العقبات، وسيُخطئ، ولكن عليه أن يكمل ويتعلّم من أخطائه، وقد ينتقده كثيرون، فلا ضير، هي فرصة لاكتشاف الثغرات، لصناعة الأفضل، والمسألة مرهونة بأصل النظرة إلى الذات وتقبّلها للنقد الهادف.

6- الإيمان بالاختلاف: يقع كثيرون في دوامة مقارنة دائمة بين أنفسهم أو من يعنيهم (خصوصاً من أفراد عائلاتهم)، وبين آخرين؛ نتيجة اعتقادهم أنّ الجميع يجب أن يؤدّي الدور نفسه، ويحقّق النتيجة نفسها، لكنّهم يغفلون عن أنّ الاختلاف سنّة إلهية(4)، بل حاجة مجتمعيّة لتتكامل قدرات الناس وطاقاتهم، ويتوزّعون في اهتماماتهم واختصاصاتهم ومهنهم على مختلف ساحات الحياة.

7- التعلّم من التجارب السلبيّة: قلّما نجد من لم يخض تجارب غير مشجّعة، ومع الأسف، قد يتمتّع أصحاب هذه التجارب بقوّة في التعبير السلبيّ إزاء تجاربهم، ما ينعكس سلباً على غيرهم. لذا، لا بدّ من النظر إلى التجارب السلبيّة على أنّها فرصة للاعتبار والتعلُّم من الأخطاء، لا للجمود وتعميم أحكامٍ سلبيةٍ تجاه مواقف تبدو مشابهةً لها.

8- الخروج من دائرة الانطباعات السلبيّة: يعيش المتشائمون تحت سقف السوداويّة في الحكم على كلّ ما حولهم، وجلد الذات بقساوة مفرطة، ممّا يولِّد انطباعاً بأنّ الحياة كلّها هكذا. لكن، بالعودة إلى فهم حقائق الأمور، والبناء على الأدلّة بدلاً من الافتراضات، وصياغة احتمالات منطقيّة، والكشف بصدق على الجوانب المتَّهَمة دوماً بالسلبيّة، يتبيّن لنا أنّ حدود هذا الانطباع السوداويّ لا تتجاوز بضع حالات أو تجارب، وأنّ سُبل المعالجة ممكنة إذا وُضعت في سياقاتها اللازمة.

9- التفاؤل الدائم رغم الصعوبات: لا غرابة في الاعتقاد بأنّ التفاؤل يزيد من مناعة الجسم، فيكافح المرض، ويمنح الإنسان السعادة في حياته. وفي هذا السياق، تحضر القاعدة الإلهيّة الجميلة في التعامل مع تحدّيات الحياة ومصاعبها اليوميّة. وحتّى عندما يعجز الطبّ النفسيّ عن إعطاء الرضى بالواقع، نجد القرآن يمنحنا هذا الرضى، إذ يقول تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ (البقرة: 216). فبالنظر إلى مضمون الآية وما تدعو إليه، تتبدّد المشاكل والهموم، وينخفض الشعور بالقلق أو الخوف؛ لأنّ المؤمن يسلّم بقضاء الله بحبٍّ ورضى، أملاً بالخير، ولو كان الظاهر أنّ فيه الشرّ والسوء، ليحقّق التفاؤل المطلوب، وهذا في حدّ ذاته علاج نافع للقلق.

10- انتهاج سلوكات مساعدة: صحيح أنّ المقدّمات العقليّة على مستوى القناعة، والاعتقاد، والتأمّل، والتفكّر، وغيرها مطلوبة، إلّا أنّه لا يمكن إغفال بعض السلوكات المساعدة في هذا السياق، منها: 

أ- مصادقة الأشخاص ذوي التفكير الإيجابيّ، وتجنّب المتشائمين؛ لأنّ التفاؤل والتشاؤم معديان؛ أي ينتقلان مع مرور الوقت من شخص إلى آخر، وقد يُصبح التشاؤم مرضاً يصعب التخلّص منه.

ب- الحرص على صفاء الذهن ما أمكن، والابتعاد عن الإرهاق بالأعمال الكثيرة التي قد تضع الإنسان تحت ضغط أو توتّر عصبيّ، ممّا يُفسد تفكيره الواقعي، فيشعر أنّه غير قادر على الإنجاز، ويرى الأمور من حوله شديدة التعقيد، وغير قابلة للحلّ؛ بسبب الضغط الذي سبّبته.

ج- الابتعاد عن المطلقات السلبيّة في الحديث: (دائماً) و(أبداً) و(مستحيل) و(لا أحد) وغيرها؛ لأنّها تجعل المواقف والأحداث تبدو حادّة أكثر من اللازم.

د- الابتعاد عن الفراغ، والانشغال بما هو مفيد: سواء على مستوى الصحّة أو المهارات أو الهوايات وما شابه، والعمل دائماً على قاعدة: لا يُوجد وقت لتضييعه.

هـ- مواجهة المشكلات الحياتيّة بالمعالجة، والحرص على الاستشارة؛ لإيجاد الحلول المناسبة تفادياً لتفاقمها.

و- الحرص على الاقتراب من ذوي الحاجات، وخدمتهم، والتطوّع بما يُفيد المجتمع عموماً؛ لأنّه باب واسع لملء الفراغ، والإيمان بالقدرة على العطاء، واستثمار القدرات، وتنمية المواهب، ونسج العلاقات وغير ذلك، ممّا يبعث على الإيجابيّة في التعامل مع الذات والمحيط.

ز- البِشر في الوجه، الذي يُحسِّن المزاج، ويخلق المحبّة ومقبوليّة الآخرين.

* مفتاح الحلّ
كلّ إنسان يمتلك المفتاح الذي يغلق فيه على ذاته باب السلبيّة، ويفتح عليه باب الإيجابيّة، ولكنّ المسألة مسألة قرار وإرادة ذاتيّة. هو من يختار أن يكون:

- ممّن يضيء شمعة، أم ممّن يلعن الظلام.

إنّهما سلوكان يرسمان نمطاً من الحياة، على الإنسان أن يختار موقعه منهما. فهلّا تدبّرنا في أمرنا، وامتلكنا الإرادة لاتّخاذ القرار قبل فوات الأوان؟!

(1) الوافي في التربية والإرشاد، أكرم برق، ص 145. 
(2) ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70). 
(3) ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28). 
(4) ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود: 118). 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

بيروت

عبير قاسم صلاح

2022-09-14 18:53:24

أنا ممّن يفكرون بإيجابية على قاعدة قول للشهيد قاسم سليماني " يقيناً كله خير". فالمقارنة ليست بكل الأحوال سيئة، قد تفي بالغرض على سبيل المثال عند مقارنة أحوالنا بأحوال من هم أقل توفيقاً بأمور قد أكرمنا الله بها، أو عندما نقارن بأننا والحمدلله لم نبتل بمرض عضال كغيرنا ومع ذلك يحمدون الله.... فالإنطلاقة كما ذكرت دكتور تكون من النظرة الى الذات ، فلا خلاف على حمد الله بأننا أفضل المخلوقات... وإنما تتعمّق نظرتنا لذواتنا بإيجابية من خلال العادة والتكرار في الحديث مع انفسنا بأننا بأفضل حال، قد يبدو الأمر في البداية مضحك أو غير مجدِ لكن بالفعل، مع التكرار يصبح لدينا يقينا ونجبر عقلنا الباطني ونقنعه بما نكلم به انفسنا بإيجابية....