صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تربية: ولدي ضعيف الشخصيّة. : ما الحلّ؟


فاطمة نصر الله(*)


كثيراً ما يعبّر الأهل عن قلقهم إزاء شخصيّات أطفالهم، ولا سيّما لدى مقارنتهم بأطفال آخرين. كما أنّهم يرغبون في أن يتمتّع أطفالهم بشخصيّات قويّة تساعدهم على مواجهة التحدّيات، وتخطّي العقبات، والتأقلم مع المصاعب والأزمات، وعدم الاستسلام للفشل.

•اعتقاد خاطئ
إنّ القلق الذي يساور الأهل إزاء ضعف شخصيّات أبنائهم مبرّر بشكل ما، وهذا إنّما يدلّ على حرصهم على مستقبل أولادهم؛ إذ إنّهم يدركون أنّ مواجهة الحياة وصعوباتها، تتطلّب الكثير من الاستعداد لدى الفرد على المستويات والأبعاد كافّة، النفسيّة والفكريّة والعمليّة، والتي من شأنها أن تكون الأداة التي تعينه على خوض غمار الحياة بنجاح.

من أكثر المواقف التي تثير قلق الوالدين عامّة والأمّهات خاصّة تُجاه أطفالهم وسمات قوّة الشخصيّة، هي حين يتعرّض الطفل إلى الاعتداء البدنيّ من طفل آخر مثلاً، الأمر الذي يدفع أغلب الآباء والأمّهات إلى الاعتقاد أنّ الطفل الذي ضَرب متفوّق بقوّة شخصيّته على الطفل المضروب، ممّا يثير لديهم الشكّ في أنّ أبناءهم ليسوا بالمستوى المطلوب في الدفاع عن أنفسهم! وهذا ليس دقيقاً في الظروف والوضعيّات كلّها؛ إذ إنّ المراحل العمريّة المختلفة تفرض تعاطياً محدّداً من قِبل الآباء والأمّهات مع أطفالهم، بما يتناسب مع خصائص النموّ لكلّ مرحلة، حيث لا تدلّ كلّ مواجهة بدنيّة بين طفلَين على ضعف شخصيّة المضروب وقوة شخصيّة الضارب، فالأمر قد يرجع إلى أسباب عديدة يجدر أن نعرضها.

• عوامل تُقزّم شخصيّة طفلك
ثمّة بعض الظروف التي قد تساهم في تقزيم وتضعيف شخصيّة الطفل، وفق المظاهر التالية:

1- الأجواء الداخليّة للأسرة، وطبيعة العلاقة بين الزوجَين، ومستوى الاستقرار النفسيّ، فكلّما كانت الروابط ضعيفة والعلاقة متوتّرة، كلّما شهدنا علامات بارزة من ضعف الشخصيّة لدى الطفل.

2- أسلوب المساءلة والعقاب المعتمد من قِبل الوالدَين أو أحدهما، والذي يكون خطيراً في حال كان بدنيّاً أو لفظيّاً معنويّاً، كالتهديد والانتقاد والتنمّر والتجاهل والصراخ.

3- اعتماد أسلوب المقارنة مع أطفال آخرين، سواء كانوا أقراناً أو أقاربَ أو إخوةً وأخواتٍ.

4- الحماية الزائدة للطفل، والخوف المفرط عليه بالتدخّل الدائم، والإفراط في تدليله، ممّا يُضعف شخصيّته، ويُفقده القدرة على تحمّل المسؤوليّة.

5- القمع الدائم من قِبل الوالدَين أو أحدهما، وعدم الإفساح بالمجال له للتعبير عن رأيه بالمواقف المناسبة.

6- ابتعاد الطفل عن معاشرة أطفال آخرين، سواء عن قصد أو عن غير قصد.

7- التوقّعات العالية للوالدَين، والتي تضع الطفل تحت عبء معنويّ كبير لتحقيق آمالهما به بأيّ وسيلة.

8- عدم تشجيع الوالدَين للطفل وتحفيزه بناءً على استعداداته وقدراته الخاصّة، وعدم التعبير عن رضاهما.

9- اطّلاع الطفل على قصور الوالدَين وفشلهما في مواقف مختلفة، كقدوة يُحتذى بها.

•وضع العلامات قبل الأسباب
هذه الأسباب وغيرها الكثير تلعب دوراً حسّاساً في تشكيل شخصيّة الطفل، وما على الوالدَين إلاّ أن يكونا على قدرٍ وافٍ من تحمّل المسؤوليّة بوعيهما لدورهما التربويّ تُجاه الأبناء، وذلك من خلال رصدهما للعلامات التي قد تظهر على الطفل، والتي من شأنها أن تعطي مؤشّراً واضحاً لضعف الشخصيّة أو عدمها، ومن أهمّ تلك العلامات:

1- التردّد وعدم القدرة على اتّخاذ القرارات، والاعتماد على غيره غالباً، ولا سيّما الوالدَين.

2- التردّد في التعبير عن الذات، مع عدم القدرة على مواجهة الآخرين.

3- ضعف عامّ في الحيويّة والنشاط والمبادرة للقيام بنشاطات مختلفة.

4- التهرّب من تحمّل المسؤوليّة مهما كانت بسيطة.

5- ضعف الطموح عامّةً، مع فقدان الهدفيّة.

6- الميل إلى العزلة والابتعاد عن الناس، وتجنّب مخالطتهم.

7- الميل إلى التشاؤم والسلبيّة، مضافاً إلى عدم الرغبة في المبادرة بأيّ عمل أو إبداءٍ لرأي.

8- التشتّت الفكريّ وشرود الذهن، وعدم المشاركة مع الآخرين.

كلّ ما ورد من الصفات الخاصّة بالطفل الضعيف الشخصيّة يُعدّ من الصفات المكتسبة القابلة للتغيير والتعديل، وهذا متوقّف على إرادة الوالدَين وسعيهما الدؤوب لتجنيب أبنائهما الوقوع تحت تأثير هذه الأسباب -جميعها أو بعضها-، والتي من شأنها أن تساهم في تشكيل شخصيّاتهم بطريقة تؤدّي إلى بروز علامات ضعف الشخصيّة، سواء بشكلٍ معقّد حادّ أو جزئيّ بسيط.

•نصائح لتنمية شخصيّة طفلك
إنّ العمليّة التربويّة لا بدّ من أن تكون عمليّةً واعيةً يتقن فيها الوالدان دورهما الأساسيّ تُجاه الأبناء، من أجل الخلوص إلى نتائج تساعدهم على مواجهة الحياة بشخصيّات متوازنة تتمتّع بالكثير من القابليّات على تذليل العقبات والصعوبات التي قد تواجههم، وفيما يلي بعض النصائح:

1- تشجيع الأبناء المستمرّ على التوافق والاندماج مع المجتمع من خلال الأقران أوّلاً، والفئات العمريّة الأخرى ثانياً، ما يساعد على كسر حاجز الخوف والخجل، ويحفّزهم على التعاطي السليم.

2- مساعدتهم على الاختلاط بالأشخاص الإيجابيّين الذين يحبّون الحياة وينظرون إليها نظرة إيجابيّة؛ من أجل تشجيعهم على الإقدام عليها بمعنويّات مرتفعة.

3- تقديم الدعم المعنويّ لهم على أساس الحبّ، وليس على قاعدة تقديم الخدمات فحسب.

4- محاولة إشراكهم في الأنشطة الجماعيّة عائليّة كانت أم مع الأصدقاء، حتّى يتمكّنوا من إدراك أنّ ثمّة أشخاصاً يشتركون معهم بصفات معيّنة، وآخرين لا، وأنّ هذا أمرٌ طبيعيّ جدّاً.

5- تكليفهم بمسؤوليّات محدّدة على أن يكونوا قادرين على تحقيقها وتنفيذها؛ وذلك من أجل تعزيز إمكانيّاتهم وتحويل شخصيّاتهم إلى شخصيّات قياديّة إيجابيّة.

6- احترامهم وتقديرهم، ولا سيّما أمام الآخرين، وذكر نقاط القوّة لديهم، مع عدم المبالغة في ذلك حتّى لا يتوهّم الطفل أمراً غير واقعيّ على أنّه حقيقة، فيعتمد عليه، حيث لا يصحّ الاعتماد على الأوهام.

7- إبعادهم قدر الإمكان عن العزلة، ومساعدتهم على الخروج إلى أماكن يحبّونها، والتي من شأنها أن تُشعرهم بالراحة والاندماج بالحياة بسهولة أكثر.

8- تعزيز الثقة بأنفسهم من خلال إجراء الحوارات والأحاديث معهم، مع ضرورة استخدام الكلام الإيجابيّ العطوف.

9- استغلال القدرات التي يتمتّعون بها مهما كانت بسيطة، ومساعدتهم على توظيفها في المواقف المناسبة.

10- مساعدتهم على تقديم أنفسهم أمام الآخرين من خلال التعبير الكلاميّ، مهما كان محدوداً أو بسيطاً، والتنويه بذلك والتشجيع لمرّات قادمة.

11- تشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم مع التأكيد على الاستعداد للاستماع إليهم متى أرادوا ذلك، وهذا من شأنه أن يساعدهم على عدم كبت مشاعرهم.

12- التعاطي معهم بمستوى عالٍ من الصبر والثبات، وعدم الانهزام أمام إخفاقاتهم المتكرّرة؛ إذ إنّ المثابرة من قِبل الوالدَين والمربّين من شأنها أن تأخذهم إلى شاطئ الأمان.

13- تحفيزهم على القراءة والكتابة والرسم والتلوين وغيرها من النشاطات المتنوّعة، التي تساعدهم في التعبير عن ذواتهم بمختلف الوسائل والأساليب.

14- التواصل معهم بابتسامة دائمة وهذا ما يخلق لديهم حالة حبّ واطمئنان وأمان، ويحفّزهم على المبادرة تُجاه الوالدَين للتعبير عن حاجاتهم المختلفة.

•الوعي ثمّ الوعي
إنّ الطفولة بمراحلها العمريّة المختلفة تعتمد اعتماداً مركزيّاً على وعي الوالدَين والمربّين لتفاصيل التربية كافّة، والنتائج المستقبليّة لأبنائنا نزرعها الآن في سنيّ عمرهم الأولى، ونرويها بالصبر والحبّ والعطاء، لنقدّم لهم مستقبلاً هم قادرون على صناعته، وخوضه بقوّة ونجاح.

(*) متخصّصة في الإرشاد التربويّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع