نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام: وَأَحْسَنُ مَقيلاً


السيّد علي عبّاس الموسوي


الإنسان بفطرته وطبيعته يسير وفق موازين الربح والخسارة. فهو في أيّ خطوة يُقدِم عليها يستشرف ما قد ينتج عنها، فإنْ رأى نفعاً وربحاً لم يتردّد، بل كان الإقدام هو الخطوة التالية، وإنْ رأى ضرراً وخسارة نأى بنفسه عن ذلك وأخذ جانب الحيطة والحذر.

وهذا الذي ذكرناه لا يمنع أنْ نجد ما يحول بين الإنسان وبين الفعل مع أنّه يرى فيه المصلحة. ويعود المانع عادة لأحد أمرين: إمّا الكسل أو غلَبة الشهوة. أمّا الكسل فهو تقديم لطلب الراحة على المنفعة، وهذا يعود في نفسه إلى أنّ الإنسان لم يرَ في النفع ما يصل إلى درجة تجعله متقدّماً على منفعة الراحة. وأمّا غلبة الشهوة فهي غلبة لمنفعة اللذّة التي يشعر بها بقضاء الشهوة على المنفعة المترتّبة على الفعل لو ترك اتّباع الشهوة.

وكذلك الحال في الإقدام على العمل، فإنّ السرعة والمبادرة والمباشرة بالعمل ترتبط بدرجة النفع التي يراها الإنسان فيه، فإذا كانت نفعاً كبيراً ومصلحة مهمّة لم يتوانَ ولم يقصّر ولم يؤخّر.

والله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان على هذه الفطرة، فكان خطابه مع الناس خطاب هدىً ورشاد منسجماً مع فطرته؛ فحثّ الإنسان على الطاعة وأبان له ثمار هذه الطاعة وما يناله من الموافقة والاتّباع لأوامره عزَّ وجلَّ، بل كشف له أنّ كلّ نفع فهو له وأنّ الله غنيّ، فلا يحتاج إلى طاعة عباده، وحذّره من مضارّ المعصية والخسارة التي تلحق به، وأنّ من يتحمّل وزر التجاوز والتعدّي هو الفاعل نفسه، وأنّ لا وازرة تحمل وزر أخرى.

ومن الجوانب المهمّة في الطاعة والمعصية معرفة حدود النفع والضرر، فضيق الرؤية قد يجعل الإنسان يقدّم النفع المؤقّت على النفع الدائم، أو يجعله يحجم عن الضرر المؤقّت ويقع في الضرر الدائم، ومن هنا كانت الموازنة الدقيقة بين النفع والضرر أكثر أهمية من أصل الموازنة بينهما.

فالطاعة قد يُنظر في جانبها الدنيويّ إلى أنّها قليلة الفائدة، ولكن عندما يُنظر إلى بعدها الأخرويّ سوف يجد فيها ما يوجب ثقلاً في قيمتها يدفع الإنسان إلى الإقبال عليها، بل المواظبة والحرص الشديدَين.
والمعصية قد يُنظر إلى جانبها الدنيويّ فيرى ضررها قليلاً أو قد يتوهّم أنّ فيها نفعاً دنيويّاً، ولكنّ النظر في بعدها الأخرويّ سوف يجعل الموازنة دقيقةً ومحسوبةً فيحجم عنها، بل يتحرّز من الاقتراب منها.

كلّ ذلك مرتبط بالمعرفة التي يحملها هذا الإنسان. ومن هنا كان الوعد الإلهيّ للمطيع والعاصي، وفي موازين العقلانيّة، كشفاً لجوانب النفع والضرر لهذا الإنسان دون أن يلزم من ذلك الإكراه على الطاعة ولا التعجيز عن فعل المعصية، بل هو بيان، وعلى الإنسان الاختيار. ومن هنا كانت عاقبة العاصي أن عمله هباء، وجزاء المطيع الجنّة والمثوى الحَسَن، وقد قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً * أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (الفرقان: 23-24).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع