مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تكنولوجيا: مجتمعاتٌ بلا أسوار

تحقيق: فاطمة شعيتو حلاوي

ناسٌ، مكانٌ، ثقافةٌ، ومصالحُ مشتركة: مزيجٌ من عناصرَ حقيقية رسمت منذ القِدم ملامح المجتمعات البشرية ووهبتها كينونتها. أمّا اليوم، فالعناصرُ باقيةٌ على حالها، ولكنّ المزيجَ باتَ وهميّاً، وتخطّت ملامُحه حدودَ المكان والحقيقة. إنّه زمنُ الافتراض والأرقام، حيثُ مجتمعاتٌ هُلامية يحكمها التواصلُ من وراء الشاشاتِ ويُسيّرها التفاعلُ الصامتُ من خلفِ الأقنعة. فكيف نشأت هذه المجتمعاتُ الافتراضية؟ ما هي خصائصها ومخاطرُها؟ لماذا تستقطبُ الشبابَ على نحوٍ خاصّ؟ وهل يُمكن تجييرُها لخدمةِ المجتمعِ الواقعيّ؟

*بينَ الحقيقة والافتراض

ظهرت المجتمعات الافتراضية بفعل احتياجات التعليم واستخدام تكنولوجيا الحاسوب والاتّصالات الرقميّة منذ منتصف ثمانينيّات القرن الماضي. ثم انبثقت "المجتمعات الشبكيّة" (networked communities) في أوائل التسعينيّات، وتطوّرت لاحقاً لتأخذ شكل جماعاتٍ معروفة من مستخدمي شبكة الإنترنت.

مع انتشار تكنولوجيا "الويب"، انتشرت المجتمعات الافتراضية. وفي العام 1996، بلورت مجموعة من الباحثين اتفاقاً أوجَز أهمّ الخصائص المشتركة لهذه المجتمعات، وفي مقدّمها النفاذ إلى الموارد المشتركة وفق سياساتٍ محدّدة، ووجود إطار مشترك للتقاليد الاجتماعيّة، واللّغة والبروتوكولات المتَّبعة، إضافةً إلى تبادل الدعم والخدمات بين الأعضاء، على نحو يعزّز استمراريّة المجتمع الافتراضيّ.

*اهتمامات مشتركة

في هذا المعرض، يرى الاستشاريّ في تكنولوجيا المعلومات الأستاذ سامي سليم أنَّ الميزة الأساسية التي روّجت لنشوء المجتمعات الافتراضية تتجسّد بسرعة التواصل والنشر والتعليق، معتبراً أن لا وجود فعليّاً لجماعات افتراضية في لبنان والوطن العربيّ طالما أن هذه الجماعات لا تزال غير قادرة على التحرّك الفاعل، الذي يضمن مصالحها المشتركة، إنّما يمكن الحديث عن مجموعات أشخاصٍ تربطهم صداقات واهتمامات مشتركة على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

أّما ماهيّة المجتمعات الافتراضية، فهي ترتبط بطبيعة وثقافات المجتمعات الواقعية، بحسب الأستاذ سليم، الذي يرى أن المضمون أو الموضوع مؤسّسٌ لقيام المجتمع، لا الأدوات والوسائل وتجمّع الأفراد.

وتشير الإحصاءاتُ الحديثة إلى أنّ المجتمعات الافتراضية تتكوّن اليوم من مستخدمين تربطهم علاقات قرابة، ودراسة، وعمل ينضوون في دوائر وهميّة ضيِّقة، وجلُّهم من الفئات العمرية الشابّة. فلماذا تستقطبُ المجتمعاتُ الرقمية هذه الفئات تحديداً؟

*هروبٌ.. ولا بدائل!

تعلّل مريم (22 عاماً) لجوء الشباب إلى المجتمعات الافتراضية على شبكات التواصل الاجتماعيّ بسهولة التعارف والتعبير عن الرؤى والمواقف والحالات بشكل غير مباشر لا يتطلَّب جرأة فعليّة، كما لو تمّ التواصل مع الآخرين وجهاً لوجه.

تضيف مريم، إنّ من عوامل جذب الجماهير الافتراضية الشابّة "إمكانية متابعة كلّ جديد يهمّها"، لافتة إلى اهتمامٍ خاص على "فايسبوك" بالصفحات الرسمية لبعض الشركات العالمية، كتلك التي تُصنّع أجهزة ذكية وسيّارات حديثة.

وتشدِّد مريم على أهمية استغلال المجتمعات الافتراضية في خدمة المصالح المشتركة والقضايا العامة التي تشغل المجتمعات الفعلية، عبر تنظيم حملاتٍ وأحداث (events) عبر مواقع التواصل تدعم ضمان حقوق شريحة اجتماعية ما، على سبيل المثال.

في الإطار نفسه، يعزو الأستاذ سامي سليم لجوء الشباب إلى المجتمعات الافتراضية إلى أسباب عدّة، أوّلها مادّي، حيث يجد هؤلاء متنفّساً لهم غير مكلف ماليّاً، على خلاف ما تفرضه ممارسة نشاطات أخرى خارج مكان السكن.

ويشير سليم إلى أنَّ عدم وجود بدائل حقيقية، من وسائل تسلية وترفيه، يعزّز غوص الشباب في متاهات التواصل الافتراضيّ، ويشكّل بالنسبة إليهم فرصة هروبٍ من الواقع السلبيّ المُعاش، ما يُفسّر الوتيرة التصاعدية لأعداد مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم.

*"فايسبوك" نموذجاً

يُشير تقرير أعدّته وكالة "WE ARE SOCIAL" المهتمة بالتواصل الاجتماعيّ إلى أنّ عدد مستخدمي الإنترنت ارتفع إجمالاً في كل مناطق العالم مطلع العام 2014، ليبلغ نحو 2.5 مليار مستخدم، أي ما يقارب نسبة 35 بالمئة من سكان العالم.

وتُظهر أرقام التقرير نفسه أنّ موقع "فايسبوك" يُعتبر اليوم أشهر المنصّات الاجتماعية وأكثرها شعبيّة، إذ إنه يحتلّ المركز الأول من حيث عدد المستخدمين الناشطين، الذي بلغ مليار و 184 مليون مستخدم. كما يأتي تطبيق "واتس أب" في المركز الرابع، متخطياً بذلك شبكة "غوغل" الاجتماعية (+Google) من حيث عدد المستخدمين النشطين، الذي بلغ 400 مليون مستخدم في كانون الثاني/ يناير 2014. فلماذا حجز "فايسبوك" هذا المقعد المميّز في فضاء العالم الافتراضي؟

يرى الأستاذ سامي سليم أن "فايسبوك" بات موقع التواصل العالمي الأكثر جذباً لـ"مُريدي" المجتمعات الافتراضية، بسبب مجموعة من الميزات، في مقدّمها إمكانية البحث عن مضمون صفحاته عبر موقع "غوغل"، وإتاحته موارد متعدّدة الأشكال، من نصوص وصور وفيديو وألعاب واستبيانات، بالإضافة إلى تأمين خصوصيّة المستخدم عبر التحكُّم ببثّ محتوى الصفحات.

عاملٌ آخر لتميّز "فايسبوك" يضيفه مهدي (19 عاماً). فهو يرى أنّ العلّة الأبرز التي تدفع الشباب إلى الانخراط في مجتمع "الفايسبوك"، تكمن في إمكانية خلْق شخصيّة وهميّة يستترون خلفها لقولِ أو فعل ما ليس لهم قدرة عليه في المجتمع الواقعي، دون أي رقابة فعليّة تمارس عليهم. ولكن، حتى الآن يجهل مهدي السبب الأساسيّ الذي دفع أحدهم إلى اختراق حسابه الخاص على "فايسبوك" واستخدامه في تدوين إعجابه على صفحاتٍ مشبوهة.

ويلفت مهدي إلى أن حسابه تعرّض لخرقٍ آخر، على الرغم من تحديثه كلمة المرور الخاصة بالحساب، معتبراً أنّ الخرق الأول كان "مجرّد صدفة"، بينما الآخر كان مقصوداً بسبب خلافات في وجهات النظر!

*هشاشةُ الخصوصيّة

من باب الإيضاح، يشير الأستاذ سامي سليم إلى أنّ المسّ بخصوصيّة المُستخدم في المجتمع الافتراضيّ، من قبيل القرصنة واختراق الحسابات وسرقة البيانات، تجربة سلبيّة لا يُمكن تعميمها على جميع المُستخدمين، لأنها تشكّل حالات خاصّة ومحدودة.

ويرى سليم أنّ الخرق الحقيقي للخصوصيّة إنما يكون عبر نشر ومشاركة بيانات يملكها المُستخدم عن الآخرين دون الحصول على إذنهم، كالصور المشتركة، معتبراً أن هذا النوع من الخروق يتكرّر باستمرار دون أن يثير التفات المُستخدمين، وكأنه بات أمراً اعتيادياً.

أمّا عمل الأجهزة الاستخباراتية، فقد أصبح متداخلاً مع ما يُنشَر على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وهنا يكمن أيضاً خرقٌ خطيرٌ لخصوصيّة جماهير المجتمعات الافتراضيّة، وفق ما يقول سليم، محذّراً من مطبّات أخرى قد يقع في شباكها "المستخدمون الافتراضيون"، من تغريرٍ واحتيالٍ ماليّ واستدراجٍ نحو أعمالٍ غير قانونيّة أو غير أخلاقية.

هنا، تبرز أهمية استصدار قوانين تحمي المستخدم من الجرائم الإلكترونية، كما يُصبح ضرورياً اتّباع خطواتٍ احترازية لحماية الحسابات الشخصية في مجتمعات التواصل الافتراضي، كما هو حال حسابات "فايسبوك"، التي يمكن للقراصنة اختراقها من خلال صفحات تسجيل الدخول المزيّفة، تخمين كلمة المرور، تخمين الإجابات لطرق استعادة كلمة المرور، وكلمات المرور المسجّلة في متصفّح المستخدِم.

ولحماية حسابات "فايسبوك" من الاختراق، ينصح اختصاصيو أمن المعلومات الإلكترونية باستخدام كلمة مرور صعبة التخمين، واختيار سؤال سرّيّ يصعب تخمين إجابته لطرق استعادة كلمة المرور، وعدم حفظ كلمة المرور في المتصفّح المستخدم... فهل من سُبلٍ وقائيّة أخرى؟

*الوعيُ ثمّ التكنولوجيا

يأخذ عبد الله (32 عاماً) حذره من أن يكون رأس حربة لأي خلافٍ قد ينشب على صفحات "فايسبوك" بسبب تنافرٍ في الآراء والتوجّهات لدى روّاد الموقع، معتبراً أنّ "تدوير الزوايا" يُسهم في تلافي التعرّض للخروق والمضايقات.

غير أنّ عبد الله لا يعوّل على المجتمعات الافتراضية لتغيير قناعات الآخرين أو إرساء مفاهيم جديدة لديهم، "فالعالم العربي لا يزال يتعاطى مع المجتمعات الافتراضيّة على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها عالم خيالي، ولا يزال للتلفاز سطوته على أفكار وقناعات الناس، على الرغم من أن العالم الافتراضيّ بات مؤثراً في العالم الواقعي، إلى حدّ ما".

في المقابل، يقول السيّد حسن (42 عاماً)، وهو ناشطٌ على شبكة "فايسبوك"، إنّ حساباته لم تتعرّض بعد لأيّ اختراق، ولكن الأمر لا يخلو من تعليقاتٍ وتبليغات يسهل تجاوزها.

ويصف السيّد حسن تجربته الافتراضية بالإيجابيّة جداً، لا سيّما على صعيد التبليغ الدينيّ، ويرى أنّ الإفادة القصوى من ميزات المجتمعات الافتراضية تكمن في حسن استغلالها لإصلاح المجتمع الحقيقي. فهل تملك مجتمعاتنا اليوم القدر الكافي من الوعي للحيلولة دون تفاقم الانخراط السلبي في مجتمعات العالم الافتراضي؟

في معرض الإجابة عن هذا التساؤل، يرى الأستاذ سامي سليم أن "لا علاقة للوعي بالأداة أو بالوسيلة"، فالمسألة ترتبط بالثقافات السابقة للتكنولوجيا وبمدى الاهتمام بالمصالح العامة، وبمستوى التمدّن.

*بلا أسوار!

لم يعد خافياً أن أواصر المجتمعات الإنسانيّة أمست عرضةً للتفكّك والانحلال، في عصرٍ تسودُ فيه لغةُ الحسابات والأرقامِ وتكنولوجيا الـ"نانو". غيرَ أنّ القيمَ والمُثل لا تزالُ قادرة على ترميم ما تهدّمه الحداثة في فسيفساء هذه المجتمعات وأسوارها. فما بالنا بمجتمعاتٍ وهميةٍ أوجدت لتكون أصلاً بلا حدودٍ ولا أسوار!

أضيف في: | عدد المشاهدات: