مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: غيب التوقيت والعلامات

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)

من أهمّ ما يطالعنا في الحديث عن المستقبل، الأحاديث والروايات الواردة عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. فكيف نعالج الأخبار الواردة إلينا والمتعلّقة بقضيّة الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ؟

*ضرورة التأكّد من صحّة الأحاديث والأخبار

فيما يتعلّق بالقواعد والموازنين العلميّة يجب التأكّد من الروايات المقبولة، والتي يصحّ الاعتماد عليها، وخصوصاً في الأخبار المختلفة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يجب أن ندقّق في هذه الأخبار، ومَنْ نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لقد اتّفق علماء المسلمين بالإجماع، أن ليس كلّ ما رُوي عن أهل البيت وعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو صحيح، لذا، هناك إجماع من المسلمين على أنّ الأحاديث فيها الصحيح وغير الصحيح، وفيها المقبول والمعتبر، وغيْر ذلك.

فعندما نتعرّض لموضوع أخبار المستقبل، فإنّنا نحتاج إلى تدقيق أكثر فيه؛ ويقال عند العلماء المتخصّصين، إنّ أكثر مجالين تعرّضاً لوضع الأحاديث واختلاقها، هما:
1 - الملاحم والفتن.
2 - الفضائل.


فقد دخل بعض أحبار اليهود في الإسلام لاحقاً، ونقلوا من أخبارهم قصصاً ونسبوها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو تمّ التعاطي معها على أنّها إخبارات الأنبياء عليهم السلام. وهذا غير مقبول.

لذا، التوصية الأساسيّة للمُتَتبّع في هذا الزمان؛ أن لا يُسلِّم بصحّة أيّ كتاب يقع بين يديه، أو أيّ رواية تتحدّث عن آخر الزمان، لأنّ ذلك لا يعني أنّها موجودة أو صحيحة، لنبني عليها.

*خروج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أصل ثابت... ولكن!

إنَّ أصل موضوع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مسلّم به، على ضوء المتون والنصوص ومن خلال بعض الروايات المتواترة. فعلى المستوى الشيعيّ، نعتقد بأنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو محمَّد بن الحسن من سلالة الحسين عليه السلام، ومن ذرِّيَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعند عموم المسلمين أصلُ أنَّ المهديّ من وُلد فاطمة يبدو أنّه متسالم عليه. فهذا الأصل لا نقاش فيه.

كذلك هناك علامات للظهور منها ما هو ثابت في أصله، ومختلفٌ فيه في تفاصيله. وهي خمس أو ست علامات تعتبر الأساس من بين العلامات الكثيرة، منها: موضوع السفيانيّ، وفيه الكثير من الروايات في كتب المسلمين، فهو من المحتوم، أمّا بالنسبة للتفاصيل فهناك روايات ضعيفة ومتفاوتة. كذلك أصل خروج اليمانيّ والخراسانيّ في الروايات واضح، وأيضاً الرايات الآتية من المشرق الممهّدة للظهور الشريف. كذلك الخسف في البيداء بجيش السفيانيّ الخارج من المدينة إلى مكّة. وهناك روايات حاكية عن سيّد حَسَنيّ يخرج قبل صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

*مشكلة تطبيق العلامات

إنّ وجود شخصيّات محكيٍّ عنها في الروايات، أدّى إلى أن يتحوَّل هذا الباب إلى فرصةٍ للادّعاء عند بعض الناس، كغيره من عناوين الدين.

لقد ورد في الروايات عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّ أشخاصاً سيدّعون المهدويّة، ويكفي في الردّ على ذلك القول إنّ كلّ من ادَّعى أنّه المهديّ أو الخراسانيّ أو اليمانيّ أو الحسنيّ (النفس الزكيّة)، عبر التاريخ، لم يقدِّم أيّ دليل، ولا يمكن التصديق بلا دليل وعلم.

إنّ مشكلة (تطبيق العلامات) تكمن في أن نقول: إنَّ هذه العلامة قد تحقّقت بكذا، أو إنّ هذه الشخصية التي ذكرت في الروايات هي فلان.

ومنشأ ذلك أنَّ الناس أحياناً يحبّون انطباق بعض الأحداث والعناوين على شخصيّات معاصرة لهم، وقد لا تدَّعي هذه الشخصيات لنفسها ذلك.

1- أقسام العلامات وإمكانية التطبيق:
القسم الأوّل، هو الأخبار العامّة التي تحدّث فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن آخر الزمان، ولكنّه لم يربطها بقيام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. نعم، بعض علامات هذا النوع من الأحاديث قد حدث، بلا خلاف، ونراه واقعاً في زماننا. مثلاً: الحديث القائل إنَّ الرجال يرتدون زيَّ النساء، والنساء يرتدين زيَّ الرجال.

القسم الثاني، من العلامات، هو الذي يتّصل بالظهور ولكن ليس محدَّداً بزمن الظهور. وهذه العلامات العامّة بعضها قد تحقّق ولا إشكال فيه، وبعضها حتى الآن لم يتحقّق.

القسم الثالث، وهو الأهمّ، وهو قسم العلامات الخاصّة؛ أي ما ذكر في الروايات أنّه متّصل بظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، والذي هو بشكل خاصّ السفيانيّ واليمانيّ والخراسانيّ والصيحة في السماء والخسف في البيداء والنفس الزكيّة.

وهنا يوجد تحديد زمنيّ، في يوم واحد في شهر واحد، الصيحة مثلاً حُدِّدت في شهر رجب وشهر رمضان، قد تكون صيحة واحدة وقد تكون صيحات متعدّدة.

أمّا الخسف في البيداء، فمعلوم أنّ السفيانيّ يخرج من المدينة باتّجاه مكَّة ليعتقل الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فتُخسف به الأرض.

المشكلة هنا تكمن بالتطبيق، فنحن لا نعرف هذه الأحداث المتلاحقة والمتزامنة متى ستحصل، إلّا إذا كان هناك رجال خاصّون لديهم علم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل إلينا.

2- مخاطر التطبيق في أخبار الظهور:
تكمن المشكلة عندما نحاول تطبيق الشخصيات في الروايات على شخصيات موجودة في الواقع، وهي ليست كبيرة في القسمين الأوَّلين، فليس لازمهما قيام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف فإن لم تتحقّق الآن، ستتحقّق لاحقاً. أمّا المخاطر في القسم الثالث فهي الأهمّ.

أوّلاً: يؤدّي إلى توقيت خروج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ؛ فعندما نقول للناس مثلاً: إنَّ فلاناً هو اليمانيّ أو الخراسانيّ، أو إنَّ الدويّ الذي سمعناه البارحة هو الصيحة في السماء، فكأننا نقول للناس انتظروا المهديّ بعد أسبوع أو أسبوعين. هنا المشكلة في التطبيق؛ وهذا خطأ.

ثانياً: يؤدّي إلى تضليل الناس؛ لأنّه إن كانت الراية ممدوحة، كأنّك تقول للناس انصروها، وإذا كانت مذمومة، كأنك تقول للناس قاتلوها.

ثالثاً: يؤدّي إلى الشكّ في القضيّة المهدويّة؛ وهو الأخطر، فعند تطبيق عنوان ما على شخصية، ثمّ تموت بدورها، سيؤدّي هذا إلى الشكّ في العلامات والأخبار والروايات، بل قد يؤدّي إلى الشكّ في أصل الإيمان بالمهدويّة. وهذا نتيجة الخطأ والمسارعة إلى التطبيقات الخاطئة التي لها مخاطر كبيرة جداً.

إنَّ الخطأ في التطبيق يؤدّي إلى نتائج غير سليمة. كما أنَّ تكرار الخطأ في التطبيق، يؤدّي إلى التشكيك في كلّ هذه العلامات، وهذا ما يجب أن نتجنّبه بشكل حاسم.

3- النية الطيّبة ليست مبرّراً للتطبيق:
مثال آخر، بعض الأشخاص يقولون إنَّ القتال في سوريا هو قتال للسفيانيّ. نحن لا نحتاج إلى هذا الكلام؛ لأنَّ شرعيَّة قتالنا تستند إلى أسس فقهيّة وشرعيّة وعمليّة وواقعيّة. ونحن لا نحتاج إلى هكذا تعبئة، فنحن لدينا عقل وأصول ومبانٍ، ولدينا قرآن وسُنَّة نبويّة، ومنهج استدلال واستنباط، وأصول متينة، نبني عليها حركتنا وسلوكنا، وفهمنا للأحكام الشرعيّة ولتكليفنا الشرعيّ.

أمَّا كلّ التحليلات والتطبيقات التي تستند إلى الظنون والاحتمالات والتوهّمات، فإنّنا لا نستند إليها؛ لذا يجب علينا أن نكون في هذا المجال حذرين ومنتبهين.

نعم، لا إشكال في أنْ نحتمل أنَّ فلاناً المذكور في الروايات هو الشخص الفلانيّ. ولكن، لا تُقدّم الاحتمالات للناس على أنّها قطعيّات حاسمة.

4- كيف نفهم العلامات الخاصّة دون تطبيق؟
فيما يتعلق بالعلامات الخاصّة بحسب الروايات الصحيحة منها والمعتبرة، هناك أحداث معينة في سنّة الظهور الشريف: خروج اليمانيّ والخراسانيّ والسفيانيّ، والصيحة في السماء، والخسف في البيداء.

هذه العلامات ستكون واضحة جليّة، ويكفي أن يكون لدينا معرفة بها؛ لأنّها ستتلاحق، وسيتلو بعضها بعضاً.

والأهمّ، إذا أخفقنا بمعرفة علامة منها، فلن نضيع بالصيحة تحديداً؛ لأنّ لها طابع المعجزة، وهي العلامة الحاسمة.

* مشكلة التوقيت

التوقيت هو أن يقوم أحدهم بتحديد وقت الظهور، وكأنّه يعلم علم الغيب. مثلاً يحدّد الظهور بعد ستة أشهر، أو بعد يوم الجمعة بكذا وكذا.

1- النهي عن التوقيت:
لقد نهى أئمّتنا عليهم السلام عن التوقيت، ونقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النهي عن ذلك. مثلاً، عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا أبا محمّد إنّا أهل بيت لا نوقّت". وقال النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "كذب الوقّاتون".

2- للتوقيت أغراض خبيثة:
النقطة الثانية في هذا العنوان بعد النهي عن التوقيت، هي ترسيخ فكرة أنَّ الانتظار طويل ومتعب، فيقولون للناس مثلاً: أحقيقةً أنتم منتظرون للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وقيام دولة العدل؟ لا يوجد ظهور قريب، بل هو أمر بعيد. هذا أيضاً هو توقيت وتيئيس للناس.

التوقيت البعيد خاطئ كما التوقيت القريب خاطئ، كلتا الحالتين مجرّد كلام بلا علم، وله مخاطر فكريّة وعقائديّة ونفسيّة، فإمّا يؤدّي إلى التيئيس والإحباط، وإمّا إلى الإنكار.

*التعاطي السويّ

فما هو التعاطي السويّ بحسب التوجيه والروايات؟

إنّ لدينا عقيدة قاطعة وحاسمة أنَّ مستقبل الأرض هو مستقبل غلبة التوحيد، وغلبة الدين الإلهيّ والمستضعفين، وأنَّ مستقبل الأرض هو مستقبل الحكمة والرخاء والرفاه. بالتالي إنَّ كلّ ما جاهد لأجله الأنبياء عليهم السلام وناضلوا وضحّوا وبذلوا الجهد لأجله طوال التاريخ، سيتحقّق على مستوى الدنيا قبل مستوى الآخرة.

وما جاءنا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما ثبت لدينا أنّه صحيح ومقبول ومن الممكن أن يعوّل عليه، ننتظره، وأثناء انتظارنا لا نوقّت، نعم ننتظر الأمر صباح مساء، ولا نستبعده، وندعو الله تعالى أن يقرّبه ويعجّله. وهذا هو الفهم الصحيح والسليم.

ولكن كلّ شيء خاضع لإرادة الله تعالى كما في قوله: }يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ{(الرعد: 39)، ولا سيطرة على إرادته وعلمه وحكمته سبحانه وتعالى، وما هو غير محتوم خاضع لهذا، أمّا ما هو محتوم، فيذهب بعض العلماء إلى أنّه يخضع لقاعدة المحو والإثبات أيضاً.

هناك رواية يُسأل فيها الإمام الجواد عليه السلام: هل السفيانيّ من المحتوم؟ قال: "نعم من المحتوم، فقال: هل يخضع ليمحو الله ما يشاء ويثبت؟ قال: نعم، فقال هل المهديّ يخضع؟ قال له: لا، فالمهديّ من الميعاد والله لا يخلف الميعاد".

هناك من يناقش في هذه الرواية، ولو قلنا إنّ ما هو محتوم سيتحقّق، وأمّا تفاصيله فغير محتومة، فيمكن في ليلة واحدة أن يُخرج الله اليمانيّ والسفيانيّ والخراسانيّ، ويُخرج جبرائيل للصيحة في السماء، ويأذن الله بظهور وليّه المخفيّ لتحقيق الوعد الإلهيّ.

وهذا هو معنى أن نترقّب وأن ننتظر وأن ندعو، وأن نحضّر وأن نمهّد، وأن نتوقّع هذا الأمر صباح مساء.


(*) من سلسلة محاضرات إحياء ليالي عاشوراء، ألقاها سماحته (حفظه الله) بتاريخ 3/11/2014.

أضيف في: | عدد المشاهدات: