مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

آداب وسنن | صلاة الليل... قيامُ القلب


الشيخ مهدي أبو زيد


من الفرص الكريمة ملاقاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند أعتاب المقام المحمود. يقول تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ (الإسراء: 79). وهي تستأهل من الإنسان أن يتنازل عن يسير لذائذ البعد الماديّ، وينفض غبار الدعة، لتستأنس النفس بخلوتها مع المعشوق، وتلتحق بركب الأولياء والنبيّين ممّن أرق رقادهم تلك المندوحة المتاحة التي ينقطع فيها العبد عن كلّ شائبة ورياء، حيث يغيب اللاهثون خلف وهم الدنيا وسرابها. فما هو المقصود بالتهجّد ونافلة الليل؟ وما هي آدابها؟

•من علامات المؤمن
التهجّد عند المفسّرين هو القيام لصلاة الليل، والنافلة هي البرنامج المضاف إلى الفريضة. وقد عدّها الإمام العسكريّ عليه السلام محقّقة لإحدى علامات المؤمن، في قوله: "علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين،..."(1). وعن الإمام الرضا عليه السلام: "... إحدى وخمسون ركعة"(2)، منها سبع عشرة ركعة تمثّل الواجبات اليوميّة، فيما الركعات المتبقّية تُعرف بالنوافل.

•كيفيّتها وعدد ركعاتها
أمّا كيفيّة توزيع عدد ركعاتها، فكما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ستّ عشرة ركعة: ثمانٌ إذا زالت الشمس، وثمانٌ بعد الظهر، وأربع ركعات بعد المغرب... لا تدعهنّ في سفر ولا حضر، وركعتان بعد العشاء الآخرة... وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل"(3) (من ضمنها نافلة الصبح). 

وتفصيلها في المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "... ومن السحر ثماني ركعات، ثمّ يوتر، والوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل"(4).

•فضلها
إنّ مكانة هذا البرنامج المعنويّ يستشفّ من كونه من جملة الواجبات النبويّة(5). ولا يتعارض الحضّ عليها مع الطبيعة التكوينيّة للناس، وهذا ما يؤكّده الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ الْعَبْدَ يُوقَظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَتَاه الشَّيْطَانُ"(6)، وعن قول الله عزّ وجلّ: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ (الذاريات: 17) قال: "كانوا أقلّ الليالي تفوتهم لا يقومون فيها"(7). وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "إنّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم يصلّي ويدعو الله فيها إلّا استجيب له"(8). 

من الأفضل الإتيان بهذه الصلوات في أوقات السحر وأواخر الليل، إلّا أنّ الروايات أشارت إلى كيفيّات أخرى تلحظ الخصوصيّات الفرديّة لكلّ ساع، بحيث تبقى أبواب الرحمة متاحة للمريدين، فيتسنّى لهم فرصة اللحاق بعباد الله الصالحين. 

•آداب القيام ليلاً 
ثمّة مجموعة من الآداب لهذا القيام، نذكر منها: 

1. إعداد المقدّمات ليلاً: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلّى العشاء الآخرة، أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمراً (مستوراً) فيرقد ما شاء الله، ثمّ يقوم فيستاك (ينظّف أسنانه بالسواك) ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد، ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات (إلى أن قال وفي رواية أخرى) ويستاك في كلّ مرّة قام من نومه(9). 

2. الدعاء للاستيقاظ: كان الإمام الكاظم عليه السلام يدعو قائلاً: "اللهم لا تؤمني مكرك، ولا تنسني ذكرك... وأيقظني من رقدتي، وسهّل لي القيام في هذه الليلة في أحبّ الأوقات إليك، وارزقني فيها الصلاة والشكر والدعاء"(10). 

كما يمكن تجزئة العبادة بما يتناسب مع الظروف المختلفة، حضّاً على اهتمام العبد بالاتّصال بعالم الغيب، وهو ما يؤكّده الحديث القدسيّ المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحدث ولم يتوضّأ فقد جفاني، ومن أحدث وتوضّأ... وصلّى ركعتين ودعاني ولم أجبه...، فقد جفوته، ولست بربّ جافٍ"(11).

3. الافتتاح بركعتين: ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثمّ يسلّم ويقوم فيصلّي ما كتب (الله) له)"(12).

 4. المحافظة عليها: يمكن الإتيان بالنوافل إذا مضى ثلث الليل، وهو ممكن لغالب الناس، والأفضل منه بعد انتصاف الليل ويشمل الكثير من الناس أيضاً. 

ومن جواب للإمام الصادق عليه السلام يشير إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان ينوّع في القيام: "... متى كان يقوم؟ قال: بعد ثلث الليل، وقال: في حديث آخر بعد نصف الليل..."(13). 

5. تلاوة الآيات: ... ويقرأ الآيات من آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (آل عمران: 190) إلى قوله: ﴿إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ (آل عمران: 194)(14)، لما فيه من آداب الاعتراف بعظمة الله وقدرته والتسليم لحكمته.

6. شمولها لحال السفر: روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر في السفر والحضر"(15). 

7. قضاؤها عند الفوات: وهو مقدّم على إتيانها في أوّل الليل، فقد قيل للإمام الصادق عليه السلام: "إنّ رجلاً من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم وقال: إنّي أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتّى أصبح وربّما قضيت صلاتي الشهر متتابعاً والشهرين أصبر على ثقله، فقال: قرّة عين له والله، قال: ولم يرخص له في الصلاة في أوّل الليل، وقال: القضاء بالنهار أفضل"(16). 

ولعلّ مكانة الشخص الإيمانيّة دفعت إلى التشديد عليه في التعويض عن خسارته لكي لا يستسهل الإتيان بصلاة الليل في غير موقعها الطبيعيّ، أمّا لبقيّة المكلّفين: "... قلت: فإنّ من نسائنا... تحبّ الخير وأهله وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم، حتّى ربّما قضت وربّما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه أوّل الليل فرخص لهن في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء"(17). 

8. السجود بعد الركعة الرابعة: من آدابها أن يقال في السجدة بعد الركعة الرابعة: "ما شاء الله" مئة مرّة، ثمّ يقال: "يا ربّ أنت الله ما شئت من أمر يكون، فصلّ على محمّد وآل محمّد، واجعل لي فيما تشاء، أن تعجّل فرج آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وعجّل فرجي وفرج إخواني،..."(18).

9. الاستغفار في الوتر سبعين مرّة: عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال: "استغفر الله في الوتر سبعين مرّة"(19). 

10. الدعاء للمؤمنين: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عبد يقوم من الليل، فيصلّي ركعتين، ويدعو في سجوده لأربعين... إلّا ولم يسأل الله تعالى شيئاً إلّا أعطاه"(20).

11. التوجّه بالنبيّ وآله عليهم السلام إلى الله تعالى: عن مولانا الإمام الرضا عليه السلام: "فإذا أردت أن تقوم إلى الصلاة (أي صلاة الليل) ... فقل: اللهم إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة، وبالأئمّة الراشدين... فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا،..."(21).

12. إطالة السجود: عن الإمام الباقر عليه السلام: "كان أبي... إذا قام من الليل أطال القيام، فإذا ركع وسجد أطال حتّى يقال: إنّه قد نام"(22).

•باب الخير
فمن رغب أن يخطو في هذا السبيل، ويرنو ليحقّق الأكمل من القرب، فليؤدّها في أيّ وقت من الليل، ويقتصر على الحدّ الأدنى من الفاتحة وأدنى الركوع والسجود، كما يمكنه الاكتفاء بالركعات الثلاثة الأخيرة أو الوتر منها، فإذا ألفها وتملّكت منه دفع بها لتحلّ في موقعها، وحقّق المستطاع من آدابها؛ فهي علاج لذنوب النهار، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "صلاة الليل تذهب بذنوب النهار"(23)، ومن أبواب الخير كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير،... وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله"(24).


1.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 14، ص 478.
2.الكافي، الشيخ الكليني، ج 3، ص 447.
3.المصدر نفسه، ج 3، ص 446.
4.وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 4، ص 59.
5.راجع: تفسير الأمثل، الشيرازي، ج 9، ص 88.
6.الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 446
7.المصدر نفسه، ج 3، ص 446.
8.المصدر نفسه، ج 3، ص 447.
9.جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج2، ص266-267.
10.مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ص 123.
11.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج77، ص309.
12.دعائم الإسلام، النعمان، ص 211.
13.الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 446.
14.المصدر نفسه، ج 3، ص 446.
15.المصدر نفسه، ج 3، ص 446.
16.المصدر نفسه، ج 3، ص 447.
17.المصدر نفسه، ج 3، ص 447.
18.مكيال المكارم، الأصفهاني، ج 2، ص 25.
19.الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 450.
20.وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 8، ص 164.
21.فقه الرضا، ابن بابويه، ص 138.
22.دعائم الإسلام، مصدر سابق، ج 1، ص 212.
23.الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 447.
24.الأمثل، الشيخ الشيرازي، ج 13، ص 130.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع