نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيّات: لطائف قرآنيّة


إعداد: هيئة التحرير


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾،
( يوسف: 1-3).

* فائدة قرآنيّة
قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنعام: 81-83).

تأتي هذه الآيات المباركة في معرض جواب نبيّ الله إبراهيم عليه السلام، وذلك بعد أن حاجّه قومه من المشركين في الله وتوحيده؛ ولقد كان ردّه عليه السلام بمنزلة قاعدة قرآنيّة يمكن تسميتها (نظريّة الأمن) من عذاب الخالق. هذه النظريّة التوحيديّة الأصيلة تخبر عن حقيقة وجوديّة لها تبعات وآثار في الدنيا والآخرة، ويقابلها العدميّة الوجوديّة للصنميّة. فالمؤمن هو ﴿أَحَقُّ بِالأَمْنِ﴾ من المشرك.

* من أساليب القرآن الكريم: الالتفات
من أهمّ الخصائص الأسلوبيّة للقرآن الكريم، هو الانتقال من أسلوب إلى آخر، كالانتقال من أسلوب التحدّث عن الغائب إلى أسلوب الخطاب، ومن استخدام ضمير المتكلّم إلى استخدام ضمير الغائب، ومن التعبير بالواحد إلى التعبير بالجمع. وقد ورد هذا الأسلوب بوفرة في القرآن الكريم. ومن موارده سورة الفاتحة؛ حيث عبّر تعالى عن ذاته المقدّسة بالغائب في قوله ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الفاتحة: 2)، ثمّ بضمير المُخاطب في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة: 5)؛ ذلك أنّ للحمد معنى دون العبادة؛ ولأجل تركيز طبيعة العلاقة التي تربط العباد بربّهم، تدرّج التعبير من الغائب في أوّل السورة والآيات التي تتلوها، إلى آية العبوديّة التي حصل التفاتٌ فيها بضمير المخاطب؛ تناسباً مع حالة العبوديّة لله وما تستدعيه من استشعار الحضور بين يدي الله تعالى دون حاجز؛ تمهيداً للانتقال إلى خطاب الدعاء ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.

* قصّة قرآنيّة: صاحب الجنّتين
ذكر الله تعالى في سورة الكهف المباركة قصّة على هيئة حوار بين شخصين، أحدهما صاحب بستانَين وهو كافر ثريّ، والآخر مؤمن فقير.

يقول تعالى في وصف جنّتي الأوّل أنّهما كرمان من كروم العنب على أنواعها وألوانها، قد حفّهما الله بجذوع نخل، ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ (الكهف: 33)؛ قد بلغت الأشجار من الرشد مبلغ الإثمار التامّ وأوانه، بحيث لم تنقص من إثمارها حبّة من الأُكل، ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ (الكهف: 33)؛ سقاية لا تنقطع. وبدأ الحوار في طريق الرجلين، فقال صاحب الجنّتين للمؤمن: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (الكهف: 34)؛ (نفراً) بمعنى الولد والخدم. وبهذه الخطوة المنحرفة من الاستقلال عن مُلكيّة الله تعالى دخل جنّته: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ (الكهف: 35)، ثمّ قال مغترّاً: ﴿مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ (الكهف: 35)؛ وكأنّه يعتقد أنّ كلّ تلك البساتين لن تفنى أبداً. ثمّ تسلّل الشكّ إليه: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ (الكهف: 36)، وبتلك الأماني النفسيّة والعقيدة الفاسدة، ذهب إلى دعوى معروفة لدى بني إسرائيل من التفضيل بالأموال والأولاد بدون استحقاق؛ مُقسِماً بأن كان هنالك من حساب: ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَباً﴾ (الكهف: 36). حينها، أبطل المؤمن تلك الدعوى بقوله: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ (الكهف: 37)؛ يعني أتكفر بالخالق باستقلالك عنه ثمّ تنفي المعاد ثمّ ترجع إليه بكرامة أنّك من تراب؟!

يكمل فيقول: ﴿لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾ (الكهف: 38)(1) يعني: أنت كافر لكنّي مؤمن موحّد، ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللهُ﴾ (الكهف: 39)؛ وبيّن له كيف كفر: هلّا قلت عند دخول جنّتك والنظر إلى ما رزقك الله منها، ما شاء الله! اعترافاً بأنّها وخيراتها؛ إنّما رُزقتها بمشيئة الله، إن شاء تركها عامرة، وإن شاء خرّبها. ثمّ هلّا قلت: ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ﴾ (الكهف: 39) إقراراً بأنّ ما قويت به من عماراتها وتدبير أمرها؛ إنّما هو بمعونته وتأييده، ثمّ قال: ﴿إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾ (الكهف: 39)، فلا بأس، الأمر إلى ربّي. ثمّ توجّه، ودعا إلى الله: ﴿فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقاً﴾ (الكهف: 40). والحسبان من كثرة الحساب؛ أي يرسل على جنّتك مرامي العذاب كقطر السماء، من ريح، أو بَرد، أو صاعقة فتصبح أرضاً خالية من الشجر والزرع، أو يصبح ماؤها غائراً في الأرض. إلّا أنّ ذلك المؤمن العالم بأسرار الاقتدار في القلوب العامرة بالإيمان والتوحيد، دعا على كروم المشرك بالحسبان دون الدعاء على الولْدان.

وأتاه العذاب، ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ (الكهف: 42)؛ حوصر بالعقاب بعد أن كانتا معروشتين ومحفوفتين بالنعم؛ ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا﴾ (الكهف: 42) وعلى عمارتها ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ (الكهف: 42)؛ سقط عرشه معها وكأنّ صاحبها خرّ معها على ركبتيه وليس له إلّا الندم وتمنّي المستحيل. فقال: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ (الكهف: 42)، في المقابل ﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ﴾ (الكهف: 43)(2).

* آية وتفسير
قال تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الجاثية: 28).

تجسّد الآية مشهد القيامة بتعبير بليغ مؤثّر: "وترى"، (جثا) (جثياً)؛ الجثو هو بروك الناس على الركبتين أو على أطراف الأصابع(3)، فلا يستطيعون القيام بما هم فيه، وتلك جلسة المخاصم والمجادل. ويستفاد من كلمات المفسّرين أنّ أصحاب الدعوى في الماضي كانوا يجلسون على هذه الهيئة في مجلس القضاء ليُمَيّزوا عن الآخرين(4)، أمّا يوم القيامة، فالجميع جاثون لمحاكمتهم في تلك المحكمة الكبرى. ويمكن أن يدلّ ذلك على استعداد الناس عامّة لتقبّل أيّ حكم يصدر بحقّهم؛ لأنّ من كان على أهبّة الاستعداد، يجثو على الركب(5).

ثمّ تبيّن الآية أنّ تعبير ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾ يوحي بأنّ لكلّ أُمّة كتاباً يتعلّق بأفرادها جميعاً، مضافاً إلى صحيفة الأعمال الخاصّة بكلّ فرد، ذلك أنّ للإنسان نوعين من الأعمال: الأعمال الفرديّة، والأعمال الجماعيّة، وتفيد وجود نوعين من صحائف الأعمال. والتعبير بـ "تدعى" يوحي بأنّ هؤلاء يُدعون إلى قراءة ما في كتبهم، والمراد الدعوة إلى الحساب على ما ينطق به كلّ فرد وإحصائه الأعمال بشهادة قوله: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. والمعنى: وترى أنت وغيرك من الرائين كلّ أمّة من الأمم جاثيةً كالخاضع الخائف، وكلّ أمّة منهم تُدعى إلى كتابها الخاصّ بها(6).

واسم السورة مقتبس من هذه الآية، و"الجاثية" إشارة إلى وضع الأمم في ساحة القيامة ومحكمة العدل الإلهيّ.


(1) العلّامة الطباطبائي، الميزان، ج 13، ص 208 - 209.
(2) الزوبعي، من أساليب التعبير القرآنيّ، ص 247.
(3) العلّامة الطباطبائي، مصدر سابق، ج 18، ص157.
(4) الشيخ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 227.
(5) المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
(6) العلّامة الطباطبائي، مصدر سابق، ج 18، ص 158.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع