نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الافتتاحية: الشائعات.. لا تكن شريكاً في بثّها


الشيخ بلال حسين ناصر الدين


يسمع أو يرى أو يقرأ خبراً ما، وسرعان ما يبدأ بنشره وإذاعته دونما أيّ تحقّق من صدقه أو كذبه، بل دون أيّ اعتبار للجهة الناقلة لهذا الخبر، وخلفيّتها وأهدافها، وآثار نشره بين الناس، حتّى يضع نفسه بذلك في مصافّ المساهمين في بثّ ما يشاع من أخبار!

هي حال الكثيرين من الناس ممّن يقعون فريسة شباك الإرهاب البصريّ والسمعيّ، الذي تستخدمه وسائل إعلاميّة ومنصّات تواصل اجتماعيّ عديدة، تديرها جهات مشبوهة، مهمّتها الأساسيّة بثّ الشائعات والأخبار الملفّقة، بهدف التأثير على الرأي العامّ لهذا المجتمع أو ذاك، وتجيير كلّ ذلك لمصالح قوىً وجهاتٍ معيّنة، وهي تبذل قُصارى جُهدها في استهداف المجتمعات المناهضة لها.

ففي ظلّ هذا الواقع الذي تتنامى فيه وسائل نشر الأخبار، والحرب الشعواء التي يجهد فيها أعداء الإسلام والأمّة الإسلاميّة في استخدام كلّ وسيلة في سبيل زعزعة الأمن لأبناء المجتمع الإسلاميّ على أكثر من صعيد، السياسيّ منه والثقافيّ والاجتماعيّ، يقف المرء أمام مسؤوليّة كبرى، تحتّم عليه أن يكون على قدرها، خاصّة من الناحية الشرعيّة، حيث وضع الشرع الإسلاميّ ضوابط وحدوداً صارمة للتعامل مع مثل هذه القضايا، ومن ذلك أن يتبيّن صدقَ الخبر من كذبه، وهو ممّا أمر به سبحانه في قوله: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات:6)، فالآية واضحة الدلالة على ضرورة التبيّن، وهو التحقّق من كلّ خبر. ومن المعلوم أنّ الجهات التي تبثّ الشائعات وتنشرها، وتستهدف بيئة المسلمين وقضاياهم المحقّة، إنّما ينطبق عليها مصطلح الفسق، بل الأجدر إزاء مصادر هذه الجهات هو إساءة الظنّ بكلّ ما يصدر عنها.

وكذلك، فإنّ المؤمن الواعي هو من يحتاط في نقل ما يسمعه، تحرّزاً من الوقوع في الشبهات، فيشعر أنّ عليه رقيباً يرقب كلّ لفظ ينبس به، كما يقول تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق: 18). هذا مضافاً إلى أنّ نقل الإنسان لكلّ ما يسمعه أمر مذموم في الأصل، كما يشير إلى ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكلّ ما سمع"(1).

هذا، وإنّ نقل الشائعات، أكانت ترتبط بأمر فرديّ أم جماعيّ، له تبعات تصل إلى حدّ المساهمة في سفك الدم الحرام، وقد ورد ذلك عن الإمام الباقر عليه السلام: "يُحْشَرُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَا نَدِيَ دَماً، فَيُدْفَعُ إِلَيْه شِبْه الْمِحْجَمَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَه: هَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِ فُلَانٍ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ قَبَضْتَنِي ومَا سَفَكْتُ دَماً، فَيَقُولُ: بَلَى سَمِعْتَ مِنْ فُلَانٍ رِوَايَةَ كَذَا وكَذَا فَرَوَيْتَهَا عَلَيْه، فَنُقِلَتْ حَتَّى صَارَتْ إِلَى فُلَانٍ الْجَبَّارِ فَقَتَلَه عَلَيْهَا، وهَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِه"(2).

ويدخل ضمن الشائعات ما يعرف بالإرجاف، وهو نقل الأخبار بهدف إضعاف ثقة المؤمنين بما يؤمنون به، أكان ذلك مرتبطاً بإيمانهم ودينهم أم بالنهج السياسيّ الذي ينهجونه في حياتهم. وقد ذكر الله الإرجاف بحقّ المنافقين، الذين كانوا يشيعون الشائعات بحقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته، فقال سبحانه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ (الأحزاب: 60)، وهذا ينطبق على أولئك الذين ينشرون الأخبار التي تُضعف هيبة الدين وكلّ ما يرتبط به، كالإساءة إلى قادة الأمّة وعلمائها ومجاهديها، أكان ذلك بشكلٍ صريح أم بالغمز والإشارة.

وليقف المرء عند قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (النور:15)؛ ليستشعر خطورة نقل الأخبار والشائعات، وليتأمّل!

 

(1) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 159.
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 370 - 371.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع