نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أحبّ عباد الله(10): عبدٌ هواه في رضا الله

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي


كيف تمكّن المهتدون وعاشقو نور الله من الوصول إلى هذا المقام، مقام الهداية والعشق لله؟
ما هي همومهم في هذه الدنيا؟ وكيف يمكن الوصول إلى مرحلة عشق المعبود، وفي الوقت عينه الحياة على الأرض وبين الناس؟


*الدنيا سبيل الوصول إلى المحبوب
ممّا لا شكّ فيه أنّ الشهوات والأهواء هي حجاب القلب الذي يبعّد الإنسان عن إدراك حقائق الوجود. فالشيطان يزيّن الأهواء الزائلة والشهوات الدنيوية للإنسان ويجعلها من جملة اهتماماته الأساسية. أما المؤمنون وعلى الرغم من أنهم يعيشون في هذه الدنيا ويستفيدون من لذائذها إلا أنهم لا يجعلون هذه اللذائذ هدفهم النهائي وإنما يستخدمونها كأسباب للوصول إلى القرب الإلهي.
هؤلاء المؤمنون يعملون على إبعاد أنفسهم عن مصائد الشهوات ويحولون دون الاختلاط بأصحاب الدنيا. أَخْرَجوا حب الدنيا من قلوبهم، وجعلوا عقولهم معيار معرفة مصالحهم في هذه الدنيا، لذلك أصبحوا في زمرة السائرين على طريق العشق ومحبة الحق.


* أصحاب الدنيا وعباد الله: هموم مختلفة
يقول الإمام علي عليه السلام: "فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى، ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى"1.
أشرنا في حديث سابق إلى أنه يمكن أن يكون محور أفكار الإنسان، ودوافعه الأساسية في سلوكه وحركاته، شهواته وأهواؤه النفسانية. فالإنسان يسعى للحصول على مال يصرفه إرضاءً لشهواته؛ أو يدرس ليحصل على شهادة يستفيد منها في أمور ترضي أهواءه النفسانية. أما إذا ارتقى إلى مقامٍ ما أو مسؤولية فإنه يستفيد منها ويسخّرها لما يحب ويهوى. في كل الأحوال تكون الشهوات والأهواء هي وُجهته التي أحاطت به وكأنها حجاب ولباس.
أما العبد العزيز والمحبوب عند الله، فهو الذي لا تكون حركاته وسلوكياته مسخّرة لإرضاء شهواته وأهوائه فيستفيد من اللّذائذ الدنيوية، إلا أنها لا تحيط بقلبه ولا تشكّل محور أفكاره ولا يعتبرها من جملة همومه وأهدافه في الحياة. فيما الأهواء الدنيوية بالنسبة إليه كالحلوى التي توضع في فم الطفل عندما يسقى دواءً مراً، كي لا يشعر بمرارته حيث يكون المقصود الأساسي هو إعطاؤه الدواء ليتعافى.


*هدف المؤمن
إن هدف المؤمن هو عبادة الله تعالى والعبودية له. وليس معنى ذلك أنه يريد من عبادة الله أن يلتذّ لذّة الصائم الذي يفرح عند الإفطار أو السحور في حالة الصيام، ولا تكون هذه اللذة هي غرضه وهدفه على الإطلاق. وهذا المؤمن إذا تزوّج، لا يكون غرضه من الزواج اللّذة. إنّ جميع الأنبياء وأولياء الله عليهم السلام قد تزوّجوا - باستثناء النبيين عيسى ويحيى عليهما السلام اللذين لم يتزوجا بسبب وضع خاص واستثنائي - إلا أنّ تلك اللذّة لم تكن هدفاً لهم. أما هدفهم فكان الوصول إلى رضوان الله ومحبة الخالق. وبما أن الاهتمام باللّذائذ والشهوات يبعد الإنسان عن رضوان الله ومحبة الخالق، فقد خلّصوا أنفسهم من قيود هذه الشهوات واللّذائذ.


*أسير الأهواء... مهموم
المسألة الأخرى التي تواجه الإنسان عندما يصبح أسير الأهواء والشهوات، هي أنه تحيط به الهموم والاضطرابات. وهكذا شخص تتوالى عليه الأفكار فلا يهدأ ولا يستقر وهدفه إشباع لذّاته وأهوائه. كالتاجر الذي يعيش حالة اضطراب وقلق مستمر إذ لا يفارقه التفكير في تجارته وأرباحه، يفكر دائماً بالبضائع التي يجب أن يشتريها والتي يرغب بها الناس، كيف يواجه منافسيه، وبأي ثمن يجب أن يبيع بضاعته ليربح المزيد، أو الذي يرغب بالزواج فهو لا ينفك عن التفكير في كيفية تأمين المقدمات و...
على كل الأحوال فإن كل أمر من أمور الدنيا، يحمل معه الكثير من المشقّات والهموم. والمتعلق بالدنيا لا يمكنه التخلّص من هذه الأمور. ولو قام شخص برصد سلوك وأفكار هؤلاء الأفراد، سيرى كم هم غارقون في الهموم والآلام.


*همّ واحد
أما لو كان الإنسان يسعى نحو هدف أعلى ونظر إلى الدنيا نظرةً آلية، فإنه ينجو بنفسه من آلامها وهمومها، وتكون همومه كلها لأجل هدفه الأساسي. صحيح أنه يعمل لأجل تأمين احتياجاته ويتابع نشاطاته اليومية، لكن هذه الأمور لا تحيط بذهنه ولا يصرف أوقاته فيها، بل يتوجه فكره نحو الوصول إلى الهدف الأساسي وتكون لذّته الحقيقية في الوصول إلى الكمال والقرب الإلهيَّين. ثم إنّ هذا الشخص يتابع نشاطاته الدنيوية في إطار أداء الوظيفة وإعداد مقدمات ذاك الهدف المتعالي.
فالشخص الذي يرغب في أداء فريضة الحج، فإن همومه تتمحور حول حضوره في جوار بيت الله وأداء مناسك الحج، حتى لو بذل جهوداً في إعداد مقدمات السفر، لا يكون همّه الأساس منصباً حول المقدمات.

بناءً على ذلك، فالذي تمكّن من إخراج نفسه من قيد الشهوات وفخ الدنيا، فإنه يحمل هَمّاً واحداً فقط وهو أن يرضي الله تعالى عنه، فيكون رضا الله هو المحور الأساس لفكره وحركته وعمله. وتعتبر كافة الأمور الأخرى، بنظره، بمثابة مظاهر لهذا الهدف ومقدّماته والطرق الطبيعية للوصول إليه. وإذا كان هذا الشخص يصلّي، ويصوم، ويزكّي، ويدرس، ويناجي، فإن هدفه الوحيد هو الوصول إلى الله تعالى ولا ينشغل فكره بتلك المقدمات.


* رضا الله هو الأساس
على سبيل المثال: عندما ينهض من النوم باكراً، يفكّر في العمل الذي يرضي الله تعالى فقط. وعندما يضع رأسه على الوسادة لينام يفكر في مسألة واحدة:
هل تمكّن من إرضاء الله تعالى؟ على هذا الأساس يمكن القول إن روحاً إلهيةً نُفخت في باطن هذا الشخص فتجلّت في أفكاره وسلوكياته. وهذا الشخص لا تحيط به هموم الدنيا ولا يتوجه بفكره إلّا إلى الأدوات والأسباب التي تؤدي إلى رضا الله، كمن يجلس على مائدة طعام ويرغب في تناول أشهى ما عليها، من الطبيعي أن يقوم ببعض الحركات، فيتناول الملعقة وينقل الطعام بواسطتها إلى الفم و...، إلا أن ذهنه غير منصرف إلى هذه الحركات ولا يفكر بعدد اللقمات التي تناولها. صحيح أنه يقوم بهذه الحركات انطلاقاً من اختياره وإرادته ولكنه غير ملتفت إليها.
وإذا كان الشخص من الذين يفكّرون بالعاقبة الحسنة، فإنّ فكره يدور حول تناول ذاك الطعام الذي يقوّيه على عبادة الله وأداء واجباته.


* امتناع محبي الله من مشاركة أتباع الهوى
المؤمن الطّاهر هو الذي سَلّم قلبه للمعبود. هدفه جلب رضا الله تعالى فقط. صحيح أن مقتضيات الحياة تدفعه إلى التكسّب والتجارة والتعامل مع الآخرين، إلا أنّ همّه الأساس لا يدور حول هذه الأمور. إنه يبتعد عن الأهواء المتفرقة، لأن هذه الأمور من مظاهر الشرك. أما ثمرة الابتعاد عن هذه التعلقات والتخلص من قيْد الشهوات، وتخلية الفكر والقلب من الهموم غير الإلهية والتوجه الكامل للقرب من الحق والوصول إلى رضوانه، فهي النجاة من الضلال والحؤول دون عمى البصيرة. لذلك يقول الإمام عن هؤلاء الأشخاص: "فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى".


1- نهج البلاغة، الخطبة 87.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع