حوار: محمد ناصر الدين
ورد في الأحاديث النبوية الشريفة والروايات المنقولة عن
أئمة أهل البيت عليهم السلام التأكيد على مسألة التداوي بالقرآن الكريم والإستعانة
بفضائل سوره وآياته في قضاء الحوائج المختلفة، وقد تضمّنت الكتب المتعلقة بهذا
الموضوع الكثير من الوصفات والمجرّبات التي تؤدي إلى حصول الفوائد ومعالجة المشاكل
في العديد من الأمور الحياتية عند الإنسان. لذلك كان لا بد من الوقوف على حقيقة
التداوي بالقرآن وكيفيته وشروطه إضافة إلى محور آخر متعلق بمصحف علي عليه السلام
ومصحف فاطمة عليها السلام مع سماحة الشيخ جعفر الهادي الذي أجرينا معه هذه المقابلة
خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان.
س: القرآن شفاء ودواء لكل داء. وقد يستغرب البعض
ويتساءلون: هل يكون القرآن سبباً لشفاء الأمراض الجسمانية؟
نعم القرآن الكريم فيه شفاء للناس وهو أمر صرّح به القرآن الكريم نفسه إذ يقول
تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
(الإسراء: 82). أما كيف يمكن التداوي بالقرآن فتسبق الإجابة على هذا السؤال
مقدمة هي: إن العالم المحيط بنا هو عالم الأسباب والمسببات والعلل والمعلولات، فليس
هناك شيء يقع في هذا الكون من دون سبب ومن دون علة، هكذا جعل الله هذا العالم،
فللنجاح مثلا أسبابه التي من أخذ بها حقق لنفسه ولأمته النجاح والتوفيق، وللفشل
أيضاً أسبابه التي من خضع لها حصد الفشل ليس إلا. والتخلص من المرض والتماثل للشفاء
هو أيضاً من هذا القبيل، بمعنى أن للشفاء سبباً هو الاستفادة من العقاقير الموجودة
في عالم الطبيعة، فلا يمكن للمريض أن يحصل على الشفاء من دون استخدام الدواء
والمعالجة به. والقرآن هو مما جعله الله تعالى من أسباب الشفاء من بعض الأمراض
الجسمية، بمشيئة الله وإرادته كما جعل اللهُ العقاقير الطبية الطبيعية سبباً
للشفاء. فلا غرابة إذن، ولا داعي للعجب، ولا مجال لإنكار ذلك، ما دامت سببية كل شيء
بتسبيب الله، مسببِ الأسباب، ومعطل الأسباب.
س: هل يمكن الاستغناء به عن التداوي بالعقاقير الطبية؟
إن التداوي بالقرآن لا يُعد طبّاً بديلاً بحيث يستغنى به عن التدواي بالعقاقير
الطبية الطبيعية أو العمليات الجراحية الاستئصالية مثلاً بالمرة، وإنما يصار إليه
بعد استنفاذ جميع الأدوات والمعالجات الطبيعية المتعارفة، واليأس منها أو جنباً إلى
جنب مع التداوي بالمعالجات المتعارفة. ونستوحي هذه الحقيقة من حادثتين نقرأهما في
الثقافة الدينية وهما:
1 - قصة النبي موسى عليه السلام فقد روي أنه مرض ذات مرة فبقي يدعو أياماً من دون
أن يجديه ذلك، فنودي من جانب الله تعالى أن تداوَ يا موسى وعالج مرضك بما خلقت من
العقار، وإلا تبطل حكمتي.
2 - قصة الصحابي الذي أصيب بورم خبيث احتاج إلى عملية استئصالية، فأمر النبي صلى
الله عليه وآله باستدعاء طبيب حاذق من العرب كان معروفاً آنذاك، لإجراء عملية
استئصالية له ففعلوا وشوفي. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تداووا عباد
الله فإن الله تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير واحد إلا الهرم.
س: كيف يمكن التداوي بالقرآن الكريم؟
بيان ذلك من شؤون وصلاحيات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، الذي خُوّل إليه بيان
الوحي الإلهي، وقد فعل ذلك، وبيّن فعلا ً في أحاديث كثيرة، منها ما ألقاه إلى الناس
مباشرة، ومنها ما استودعه عند أهل بيته الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، وهي مذكورة
في كتب الطب النبوي وطب الإمام علي وطب الأئمة عليهم السلام.
س: هل يشمل التداوي بالقرآن الشفاء الروحي والبدني معاً؟
نعم التداوي بالقرآن يشمل الشفاء الروحي والنفسي والجسدي، وهو مقتضى إطلاق قوله
تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
بل هو مما أثبتته التجارب العملية المتكررة.
كما ويدل عليه قول النبي الخاتِم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله: "القرآن شفاء
من كل داء إلا السّام" أي إلا الموت المحقق والحتمي.
س: تتنوع الوصفات المذكورة في الكتب حول التداوي بالسور
والآيات، فهل يمكن اعتبار جميع ما كتب في هذه الشأن صحيحاً؟
إن كنتم تقصدون من الكتب (كتب الحديث المروي عن النبي والأئمة من أهل بيته
المعصومين عليهم صلوات الله أجمعين)، فمعرفة ما هو معتبر منها، وما هو ليس بمعتبر،
إنما هي من شأن العارفين بعلم الحديث، كما أن معرفة الصحيح وغير الصحيح من الآراء
الطبية، الموجودة في كتب الطب، من شأن المختصين العارفين بالطب. ولهذا لا بدّ من
مراجعة ذوي الاختصاص عند إرادة التداوي بالآيات والسور وعدم الأخذ بكل ما تقع عليه
اليد من الوصفات التي أشرتم إليها، خاصة وأن ثمة آداباً وشروطاً وتوصيات خاصة في
الكثير من الوصفات الناجعة، يتوقف عليها الانتفاع بها يعرفها العارفون بشؤون الحديث
الشريف وقد أخذوها، خلفا عن سلف.
س: كيف يفسَّر اختصاص بعض الآيات والسور بعلاج بعض
الأمراض دون أخرى مع أن المعلوم أن كل القرآن هو شفاء؟
أولاً: لا يمكن أن نقبل بأن القرآن كله سبب للشفاء من الأمراض الجسمية، أو على
الأقل نحن غير متأكدين من ذلك، لقول الله تعالى في كتابه:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاء﴾
و(من) للتبعيض.
وثانياً: إن سببية القرآن للشفاء هو من صنع الله تعالى الذي جعله شفاءً كما جعل
العقاقير الطبيعية شفاءً، وكما أن الله تعالى جعل كل عقار طبي معين، سببا للشفاء من
داءٍ معين لا غير، كذلك الحال بالنسبة إلى القرآن، فقد تكون آية أو سورة سبباً
للشفاء من داء دون داء، بمشيئة الله تعالى، أو لما فيها من خصوصيات نجهلها.
س: بالإضافة إلى التداوي بالقرآن هناك جانب يتعلق بفضائل
بعض الآيات والسور القرآنية التي تستجلب قراءتها الزيادة في الرزق أو تدفع البلاء
أو تسهم في قضاء الحوائج، فهل يمكن اعتبار هذا الأمر حقيقة مؤكَدة؟
نعم هذا الأمر صحيح أيضاً، وقد وردت بشأنه أحاديث كثيرة في مصادر المسلمين
الحديثية. غير أننا نقول هنا ما قلناه في القسم السابق وهو: أن الدور الأصلي والأول
في مجال الحصول على الأمور التي ذكرتموه من زيادة الرزق ودفع البلاء الأرضي
والسماوي وقضاء الحوائج هو للأخذ بالأسباب الطبيعية المتعارفة، والدور القرآني
والذكري يأتي بعد اليأس من تلك الأدوات، أو مقارناً مع الأخذ بها. وهذا هو ما
نستوحيه أيضاً من قضيتين في الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي وهما كالتالي:
الأولى: أن رجلاً دخل على الإمام جعفر الصادق عليه السلام فسأله الإمام عن حال أحد
أصحابه. فأخبره بأنه عاطل عن العمل وأنه قد أقعده الفقر، وهو يدعو الله فلا يستجاب
له. فقال الإمام له: قل له: "ألا يكون كالنملة تسعى لرزقها".
الثانية: أن النبي صلى الله عليه وآله يتخذ في الحروب كافة الإحتياطات ويستخدم جميع
الأدوات العسكرية والتكتيكية، ومع ذلك يذهب جانباً عند المواجهة ويرفع يديه بالدعاء
ويتضرع إلى الله ويطلب منه النصر والغلبة على عدوه وقد قال في دعائه ذات مرة:
"اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبَد في الأرض أبداً". ثم إنه لا بد من الأخذ
بالوصفات القرآنية، في هذا المجال أيضاً بعد التأكد من صحتها من طريق العارفين من
العلماء لكي لا يقع هذا الأمر بأيدي الدجالين الذين يستغلون حاجات الناس وسذاجة
البعض منهم.
س: إذا كانت قراءة بعض السور والآيات القرآنية تؤدي إلى
حصول فوائد معينة فهل يؤدي عدم قراءتها إلى المفعول المعاكس وهو عدم الحصول على تلك
الفوائد؟
هذا أمر طبيعي، إذ عند مجيىء السبب يأتي المسبب وعند عدم مجيئه لا يتحقق المسبب
كما هو الحال في التداوي بالعقاقير الطبية. ومما يجدر بالإشارة هو أن الحالة
النفسية المقبلة على أمر لها أثر فعال في تحقق ما يسعى المرء إلى تحقيقه وهذا
الشيء كما هو صادق في مجال التداوي بالأدوية الطبيعية المادية كما يعترف به
الأطباء وعلماء النفس فهو صادق كذلك في المعالجة والتداوي بالقرآن الكريم، ففي عدم
قراءة الآية الشافية، أو قراءتها مع حالة التردد والشك، وفي حالة عدم وجود النية
الصادقة، والاعتقاد الجازم لن تعطي الآية أثرها على أنه لا تنحصر أسباب زيادة الرزق
أو قضاء الحوائج أو.. في الأخذ بالوصفات القرآنية فقد تتحقق كل هذه الفوائد من طرق
عملية أخرى.
س: لماذا نقرأ أحياناً السور والآيات القرآنية ولا تحصل
المنفعة المحددة؟ هل هناك شروط للقراءة؟
كلامكم صحيح، فإن القراءة المؤثرة، المفيدة، الناجعة لها شروط سميت في الثقافة
الدينية بالآداب التي منها الإيمان واليقين والتقوى والتدبر، والتفاعل مع هذا
الكلام الإلهي العظيم. ولهذا لا بد للقارئ للقرآن أن يدرس جيداً (آداب قراءة
القرآن) ويترسمها، ويطبقها على نفسه، وفي هذه الحالة ستحصل المنفعة المحددة، بإذن
الله.
س: ما هي حقيقة استخدام البعض للقرآن كوسيلة للإضرار
بالآخرين وإلحاق الأذى بهم؟
قد يكون هذا ممكناً أو واقعاً فعلاً ولكن نسبياً، إذا أذن الله بذلك، أي إذا لم
يمنع من وقوعه، وقد يتم ذلك بمعونة بعض القوى الشريرة في عالم الكون، من شياطين وما
شابهها، ومن باب السحر كما يمكن أن يقع مثل ذلك في مجال الأسباب الطبيعية على أن
هذا الأمر حرام قطعا ومنهي عنه شرعاً من جهتين:
الأولى: من جهة سوء استخدام النصوص المقدسة للأغراض السيئة والشريرة.
والثانية: من جهة الإضرار بالآخرين الحرام في نفسه شرعاً.
كما أنه يحرم إعطاء أجر أو أخذ أجر عليها ويعتبر من السحت الذي يحرم أكله.
س: هناك أيضاً أحاديث عن استخدام القرآن لطرد الجن؟
هذا موجود.. والجن موجود حقيقي، لا شك فيه، وإن لم نره بأعيننا، ولكن قد تتدخل في
حياة البشر، وتؤذيه أحياناً، ولكن يجب التنبيه على شيء وهو أنه ليس كل ما يلحق
بالإنسان هو من صنع الجن حتماً، بل ربما يكون ما يصيب الإنسان من اختلالات روحية
ناشئة من الأمراض النفسية والعصبية التي قد تحصل للإنسان بسبب ضغوط الحياة المختلفة
فينبغي في هذه الحالات مراجعة الأطباء المختصين إلى جانب الاستفادة من الأذكار
الدينية الصحيحة التي تضفي على الإنسان الطمأنينة والهدوء. كما ينبغي عدم مراجعة
القوّالين وأرباب الشعوذة والسحر الذين يحتالون على الناس، وربما يقترحون على
المريض ارتكاب أمور محرمة ويأكلون المال بالباطل فيجتمع الفساد والحرمة والضياع.
س: كيف يمكن أن يكون القرآن سبباً لشقاء البعض وضلالتهم حسب الآية الكريمة:
﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا
الْفَاسِقِينَ﴾
(البقرة: 26)؟
يذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الكلام ليس هو كلام الله تعالى، بل هو كلام
الكفار، الذين أشير إليهم في الآية، وللوقوف على هذا المطلب نقرأ الآية كاملة.
﴿إِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا
فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ
الله
بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾.
نعم عقّب الله على قولهم هذا بقوله تعالى:
﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾.
فإذا كان الكلام الأول هو كلام الكفار لم يبق مجال للبحث لأنه من أساسه كلام باطل،
لأنه لا يمكن أن يضل أحد بسبب القرآن وهو كتاب هداية لا غير. نعم الفاسقون بسبب
إعراضهم عن القرآن يضلون، فلا بد من تقدير جملة محذوفة كما هو دأب القرآن في الحذف
والتقدير. فقوله تعالى
﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾
أصله وما يضل بسبب الإعراض عنه إلا الفاسقين، فيكون ضلالهم بسبب إعراضهم عن القرآن،
لا بسبب أخذهم بالقرآن، لنقول: كيف يكون القرآن كتاب إضلال وهو كما نعلم كتاب
هداية، ولكن للمؤمنين الآخذين بتعاليمه
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ﴾
(الإسراء: 9). وحتى لو كانت الجملة المذكورة
﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا﴾
كلام الله فإن معناه: أن المثل الذي ضربه الله يهتدي بسبب الأخذ به والتدبر فيه،
كثير، ويضل بسبب الاعراض عنه، وعدم التدبر فيه اختياراً، كثير وهم بطبيعة الحال
الفاسقون، فلا مشكلة في الأمر.
س: ما هو مصحف فاطمة، حقيقته، هويته، الكاتب، وسبب
التسمية؟؟
الجواب على هذا السؤال يتضمن التذكير بعدة نقاط:
الأولى: إن لفظة المصحف تعني في اللغة العربية مجموعة صحائف كتب فيها شيء، جمعت
وجعلت بين دفتين، ومن هنا يكون معنى لفظة المصحف : الكتاب، لأن الكتاب عبارة عن
مجموعة صحائف مكتوب فيها شيء أْلحق بعضها ببعض وجعل ضمن مجلد. إذن فالمصحف يعني
الكتاب أيّاً ما كان وليس خصوص القرآن الكريم. ولهذا فإذا قيل مثلاً: مصحف فاطمة
فليس بالضرورة يعني قرآن فاطمة، بل يعني كتاب فاطمة.
الثانية: إن المصحف ليس اسماً علماً وخاصاً للقرآن، بمعنى أن للقرآن أسماء وأوصافاً
سمَّى القرآن ووصف بها نفسه مثل: القرآن، الفرقان، الكتاب، الذكر، النور، الهدى،
البصائر ولا نجد فيها(المصحف). نعم وصف نفسه في سورة البينة بأنه صحف، ولكن هذا لا
يختص بالقرآن ولا يكون علماً أو وصفاً خاصاً به، فقد وصف القرآن كتب إبراهيم وموسى
به أيضاً إذ قال:
﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾
(سورة الأعلى: 19). نعم هناك بعض الروايات النبوية سمّت القرآن الكريم
بالمصحف، ولكن أغلب الظن أنه من باب العهد الذكري أو الذهني، أي أن الألف واللام
اللتين تصدرتا لفظة المصحف في الحديث إشارة إلى كتاب مذكور سلفاً أو معهود في
الذهن. ولذلك ذهب بعض المحققين إلى أن تسمية القرآن بالمصحف أمر مستحدث وأنه جاء
متأخراً ولعله من بعد منتصف القرن الأول الهجري.
من هنا نقول مرة أخرى أنه لا يعني مصحف فاطمة (قرآن فاطمة) بالضرورة. أما مضمون هذا
المصحف ومن هو كاتبه فتقول الروايات الواردة في أصول الكافي أنه لما توفي رسول الله
صلى الله عليه وآله حزنت عليه ابنته العظيمة وبضعته العزيزة السيدة فاطمة الزهراء
عليها السلام حزناً شديداً جداً فأرسل الله إليها ملكاً يسليها بذكر مقام والدها
الراحل في الجنة ليخفف من وطأة افتجاعها بوالدها العظيم، فأخبرت زوجها أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بذلك فطلب منها أن تخبره إذا جاءها ذلك الملك
مرة أخرى ليكتب ما يذكر لها من الأمور. وهكذا كان الإمام يكتب ما يسمعه من ذلك
الملك الذي ظل يتردد على السيدة فاطمة ويحدثها، ويخبرها بأمور ترتبط بأخبار الأمم
السابقة وأنبيائها، وما جرى بينهم والسماوات وما فيها من الخلائق وأسماء المؤمنين.
وما يجري في المستقبل من الأحداث، وحقائق أخرى تعتبر من المعارف والمعلومات العامة
المفيدة. إذن فإن مضمون هذا الكتاب كما قلنا معلومات ترتبط بالتاريخ وحقائق عن
العالم العلوي والمستقبل. وأسماء المؤمنين والكفار وقصص الأنبياء مع أقوامهم.
س: ماذا ورد عن أهل البيت عليهم السلام بشأن هذا المصحف؟
لقد أكد أهل البيت عليهم السلام على نقطتين مهمتين:
الأولى: أن هذا الكتاب ليس هو من القرآن ولا من جنس القرآن أبداً.
الثانية: أن هذا الكتاب لا يحتوي مطلقاً على أية أحكام شرعية.
فليس هذا الكتاب الذي تسمى فيما بعد بمصحف فاطمة سوى (كتاب معلومات) عامة ألقيت
موضوعاتها إلى السيدة فاطمة عليها السلام لتسليتها والتخفيف من آلامها وليس قرآناً
ولا وحياً نبوياً. على أنه لا مجال للاعتراض على تحدث الملك مع شخص ليس بنبي وبخاصة
مع امرأة بدليلين:
أولاً: وجود أحاديث نبوية تصرح بأنه كان في الأمم السابقة من كانت الملائكة تحدثهم
من دون أن يكونوا أنبياء، كما في صحيح البخاري، في فضائل الصحابة.
ثانياً: أن الملائكة تحدثت مع السيدة مريم الطاهرة والدة السيد المسيح عليه وعلى
نبينا وآله السلام، كما في سورة آل عمران وتحدثت مع السيدة سارة زوجة النبي العظيم
إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا وآله السلام كما في سورة هود والذاريات.
س: أين هو مصحف فاطمة الآن؟
لقد توارث أئمة أهل البيت هذا الكتاب المعلوماتي الهام بعد انتقاله من الإمام علي
بن أبي طالب عليه السلام واحد بعد واحد، واستفادوا منه كمصدر هام من مصادرهم
المعلوماتية في بعض الأحيان، وصرح بعضهم كما في أصول الكافي بأنه موجود عندهم، وأن
بعض ما أخبروا به مستقى منه، وهو الآن موجود عند الإمام المهدي عجل الله فرجه
الشريف، ضمن ما ورثه من كتب العلم والمعرفة من جده الأعلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وجده علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
س: ما هو مصحف علي عليه السلام؟
المراد من مصحف علي عليه السلام حسب ما جاء في الروايات هو القرآن الذي كتبه الإمام
علي عليه السلام بيده، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك عندما بقي في
البيت وقرر أن لا يرتدي عباءته إلا بعد أن ينجز ذلك العمل العظيم، نظراً لأهميته
القصوى.
س: بماذا يتميز هذا المصحف؟
لا يختلف مصحف الإمام علي بن أبي طالب عن القرآن الحاضر من حيث الكم والمحتوى
مطلقاً، إنما يختلف من حيث أنه جمع على حسب ترتيب النزول، ولذلك كان لو وقف عليه
المسلمون وكان الآن في متناول أيديهم في إمكانه أن يساعدهم في معرفة المنسوخ
المتقدم زمانياً والناسخ المتأخر زمانياً، وكذا في معرفة العام والخاص والمجمل
والمبين والمطلق والمقيد، وربما فوائد أخرى هامة إلى جانب ما ذكر. على أنه كان لكل
صحابي وصحابية من المعروفين والمعروفات مصحف خاص به قد كتبه بيده، وربما كتب في
حواشيه ما سمعه من فم رسول الله صلى الله عليه وآله من توضيحات، وقد سمي باسمه،
مثل: مصحف حفصة ومصحف ابن مسعود ومصحف ابن عباس، كما يتضح ذلك لمن يراجع كتب علوم
القرآن كالإتقان للعلامة جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى سنة 911 هجرية. ولعل
كل ذلك لو أبقي على حاله لكشف عن حقائق كثيرة حرم منها المسلمون فيما بعد. هذا هو
المعروف عن مصحف الإمام علي عليه السلام وبه اتضح أنه ليس هو شيء آخر غير القرآن
الكريم الذي نزل على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله المصطفى صلى الله عليه وآله.