إيفا علوية ناصر الدين
قد لا يشعر الواحد منا بقيمة نعمة يترعرع في أحضانها إلا حين يفقدها، أو يرى بعينيه من هو بأمس الحاجة إليها. ولأن فاقد الشعور بالشيء غافل عن أداء حقه وواجبه، فإن فاقد الشعور بالنعمة غافل عن أداء حق شكرها لواهبها ومعطيها.
لكن، حين تتوهج حرارة هذا الشعور في القلب، فإنها تحطّم جدار الغفلة وتجعل صاحبها وكأنه أفاق من سبات عميق، وقد تراءى له سوء تقديره للأمور وانكشفت سرائره عن فيض ينساب مترقرقاً على لسانه. ونعمة الصحة هنا هي خير مثال يجسد هذه الحقيقة، التي يلمسها عن قرب من تدفعه الظروف لقضاء وقت مهما قصرت مدته في المستشفى ، سواء كان مريضاً أو مرافقاً لمريض، أو زائراً، أو حتى ماراً في قسم الطوارئ.
وهذا أحد المشاهد: كان يستلقي على السرير مصفر الوجه، خائر القوى في وضع يرثى له، بعدما قام الفريق الطبي بالمعالجة اللازمة ليده التي بترت جميع أصابعها جراء حادثة تعرض لها في المصنع الذي يعمل فيه. كان يغمض عينيه وكأنه يعضّ على ألم جراحه، محاولاً لملمة قواه للبوح بكلمات يقذفها بركان قلبه المتفجر: عفوك يا رب ورضاك ،الحمد والشكر لك على كل شيء، لا اعتراض على حكمك وقضائك، لا خسارة أمام خسارة رضاك، لا أريد شيئا من هذه الدنيا سوى أن تمد إليَّ يد رحمتك وتأخذ بيدي إلى ساحة كرمك، حتى أنهل من معين لطفك ومرضاتك.
كانت نبرة صوته الممزوجة ببحة الألم تتصاعد مذكرة كل من سمعه - ليس فقط بالحكمة التي تقول: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى"، بل - مؤكدة على أهمية وضرورة أن يشعر الإنسان بقيمة النعم التي يتفيأ في ظلالها، ولكن قبل زوالها.