ما من إنسان على وجه البسيطة إلاّ وهو عرضة للابتلاءات وغرضاً للمصائب والآلام. ومن هذه البلاءات المرض والسقم الذي هو بمثابة حبس وسجن للبدن، يحبسه ويقعده عن أعمال وأفعال ومهام كثيرة، قد يحقّقها وينجزها فيما لو كان سليماً معافىً، ومن هنا اعتبر المرض أشدّ البلاءات على الإنسان، واعتبر القليل منه كثير. جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "أربعة، القليل منها كثير: النار القليل منها كثير، والنوم القليل منه كثير، والمرض القليل منه كثير، والعداوة القليل منها كثير"، فماذا عن المرض في جعبتنا من أحاديث؟ هذا ما سنعرضه عليك – عزيزي القارئ – في هذه الحلقة من "مصباح الولاية".
1-المرض وعوضه:
لقد جعل الله سبحانه عوض المرض على المرء إن محا عنه ذنوبه وخطاياه، وحطها وأسقطها كما يسقط ورق الشجر عنه، فقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: "المريض يتحات، "تسقط" خطاياه كما تحاتْ ورق الشجر".
وقد بلغ من تكريم الله سبحانه للمريض إن أمر صاحب الشمال "الملك" بعدم كتابة ذنوبه بكتابة مثل ما كان يكتبه للمريض في صحته من الحسنات. جاء عن الإمام الكاظم عليه السلام: "إذا مرض المؤمن أوحى الله عزّ وجل إلى صاحب الشمال، لا تكتب على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ذنباً. ويوحي إلى صاحب اليمين أن اكتب لعبدي ما كنت تكتبه في صحته من الحسنات". وهذا نفسه ما أشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث المروي عنه: "إنّ العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً حتّى أطلقه أو اكفته "أضمّه إليّ"".
2-كنوز البرّ وكنوز الجنّة:
لقد أكّدت الأحاديث الشريفة على كتمان المرض والوجع وشدّدت على ذلك، وبيّنت استحبابه، وعدّته واحداً من كنوز البر التي تتمثّل بكتمان المصائب والأمراض والصدقة. فجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: من كنوز البرّ: كتمان المصائب والأمراض والصدقة" وواحداً أيضاً من كنوز الجنة حيث جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أربع من كنوز الجنة: كتما الفاقة وكتمان الصدقة، وكتمام المصيبة وكتمان الوجع.
إضافة إلى ذلك فقد أكّدت الأحاديث على عدم شكاية المرض إلى أحد من الناس بل شكايته إلى الله وحده. وذلك ليعافى المريض إذا عوفي ولا ذنب عليه ويُقبض أن قبض إلى رحمة الله تعالى. جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عزّ وجلّ: من مرض ثلاثاً فلم يشكُ إلى أحد من عواده أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه، فإن عافيته عافيته ولا ذنب له، وإن قبضته قبضته إلى رحمتي".
وفي تعريف الشكاية جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "ليست الشكاية أن يقول: مرضت البارحة أو وعكت البارحة، ولكن الشكاية أن يقول بليت بما لم يبلَ به أحد".
وقد يظن البعض أن من كتمان المرض وعدم شكايته، هو كتمانه وإخفاؤه عن الأطباء. إلاّ أنّ هذا ظنّ خاطئ، وذلك أن الله سبحانه لا يرضى بذلك، ولا العقل، حيث على المريض أن يذهب إلى الطبيب للتداوي، ويشخص حالته له ليقدم له الدواء الناجع. وإلاّ فإنّه يكون بذاك قد خان بدنه وأعجز الأطباء عن شفائه. جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "من كتم الأطباء مرضه خان بدنه" وقوله أيضاً: "من كتم مكنون دائه عجز طبيبه عن شفائه".
3- عيادة المريض:
هذا وقد جعلت عيادة المريض من المستحبات الأكيدة لما فيها من تواصل وبرّ وإخاء وتحابب وتذكير بالآخرة ومنافع جمّة تعود بالخير على الفرد والمجتمع. فاستفاضت الأحاديث في هذا المجال وكثرت. منها: ما جاء عن رسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا عاد الرجل أخاه المريض فإنّه في مخرفة الجنة" ومنها: ما جعل عيادة المريض عبادة لله تعالى حيث جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يا بن آدم، مرضت فلم تعدني! قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت إنّ عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!".
4-أدب العيادة:
وأخيراً تطرقت الأحاديث إلى أدب هام من آداب العيادة ينبغي ملاحظته حينها، ألا وهو التخفيف من الجلوس عند المريض قدر المستطاع، ألا أن يحب المريض ذلك ويريده. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أعظم العيادة أجراً أخفها".
ومسك الختام نكلّله بحديث نبوي في حكمة العيادة هو: "عودوا المريض واتبعوا الجنازة يذكركم الآخرة".