نور روح الله | دور الشعب في انتصار الثورة* الشهيد على طريق القدس علي ناصر الدين بياناتنا هي التي تقتلنا! حديث الانتصار | شيفـرة المقاومة رحلة إخلاص تكلّلت بالشهادة "إنّا على العهد يا والدي" شيخ المجاهدين مجـاهدٌ فـي كـلّ الميـادين اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟

الملف | بصبركنّ... ننتصر

نهى عبد الله

«انصرِف، الناس يكفونك»(1). تلك العبارة المنهزمة التي أطلقتها نساء الكوفة خلال حركة مسلم بن عقيل، التي ما إنْ نقرأها حتّى تجتاحنا مشاعر الغضب واللّوم القاسي لهنّ؛ لأنّنا ببساطة نُدرك تماماً ماذا فعلت هذه العبارة بمسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، والأهمّ بثورة الإمام الحسين عليه السلام الذي أطلق فيها نداء: «ألا من ناصر ينصرنا؟»، فكان عمل هؤلاء النسوة محبطاً للإرادة، وفرصةً للهروب من نصرة الحقّ في أكثر الأوقات حاجة إليه.

فهل نختلف الآن، في أنّ للمرأة دوراً وأثراً في صناعة النصر أو الهزيمة في الحرب والجهاد؟!

السؤال الأهمّ: كيف نستطيع النهوض بدور المرأة المسلمة، في ظرف قد يُفرض عليها، وفي مواجهةٍ بين حقّ وباطل، عدل وظلم؟ كيف يمكن أن يكون أثرها فاعلاً إيجابياً كطوعة المؤمنة التي استضافت ابن عقيل، لا كنساء الكوفة؟

* هي: الصف الثاني للنصر
إذا أردنا التحدّث بالتفصيل، فإنّنا سنجد دورَين بارزَين للمرأة المجاهدة: الأمّ والزوجة.

فهما الصف الثاني للنصر، حيث تتحمّلان التضحية، وتصبران على الفراق الذي قد يكون نهائياً إذا عاد المجاهد شهيداً، وبقدر وعيهما وإيمانهما وصبرهما وتحمّلهما مسؤوليّة هذه التضحية، فإنّ المجاهد الثاني يمضي في طريقه واثقاً بالله مطمئناً. فلهما أثر في دفع المجاهد إلى الميدان ورفع همّته وتحفيزه.

* ميزة أمّهات المجاهدين والشهداء
ثمّة جملة تردّدها أمّهات الشهداء بصدق وقوّة: «لو كان لنا عشرة أبناء، لكنّا حاضرات لنقدّمهم في سبيل الله». هؤلاء أمّهات يَعشن العزّة والفخر؛ لأنّ أبناءهنّ استشهدوا في سبيل الله... أمّهات يعشن الإحساس الزينبيّ وكنّ يرددنَ ما قالت زينب عليها السلام: «ما رأيتُ إلّا جميلاً». إنّ مثل هذه الأمور هي التي تمنح الإنسان القوّة، وهي التي تعطيه الثقة بالنفس، ولا تزلزل قلبه مقابل تهديدات الأعداء مهما بلغت قسوتها. وتملك الأمّ هذا التأثير عبر عاملين أساسيّين:

1- تربية أبنائها كأسرة مجاهدة
إنّ الأمّ التي سهرت الليالي الطويلة في سبيل تربية ولدها، وتحمّلت المشاقّ على مدى سنوات طويلة حتّى تراه فتيّاً يرفل في ريعان الشباب، لكنّها زرعته بالقيم الإسلاميّة الأصيلة، وأنبتته نموذجاً يقتدي بسيّد الشهداء عليه السلام، فقد وضعت أساساً عميقاً متيناً لأيّ ظرف يهدّد الأرض والدين والعرض والمقدّسات فيه... حتّى إذا نودي للقيام بواجبه، عندئذ يطرق أذنيها فجأة ذلك الخبر الذي ينعى عزيزها الذي ارتقى شهيداً في جبهة القتال، فتلجأ إلى الصبر، وتقابله بالرضى وبرحابة الصدر، ثمّ تنهض لتهيّئ ابنها الثاني على عهد أخيه السابق.

هي قوّة عظيمة في مجتمع مجاهد يتبنّى قضيّة مصيريّة؛ لأنّها تقوم بالنصرة على الأعداء بالإعداد الإيمانيّ لأبنائها، في حين أنّهم أغلى ما تملك. لكن بحسب الرؤية الدينيّة الإيمانيّة، هي تدفعهم لينصروا الحقّ، ويفوزوا برضى الله تعالى، فهي تقدّم لهم الأفضل، وتتمنّى لهم أفضل الفوز.

2- عبارات الأمّ: رصاصات ملتهبة
هؤلاء الأمّهات يوجّهن أكبر صفعة للعدوّ، الذي ينتظر أن يواجه ضعفاء جبناء، فيفاجأ بأنّه يقتل الشهيد فترسل له الأم مجاهداً آخر يتحدّى غطرسته بقوّة معنويّة مضاعفة استمدّها من منهل تربّى عليه. وليست مبالغة حين تشتهر بعض الكلمات التي تردّدها الأمهات كثيراً لتقوية عزيمة أبنائهنّ المجاهدين:

- «بيّض وجهي أمام مولاتي الزهراء عليها السلام».

- «إنْ لم تقاتل بقوّة، لا تعد إليّ، فلم ألِدْ جبناء».

- «لبِّ نداء الحسين عليه السلام ولو متأخّراً».

- «إنِ استشهدتَ عطشانَ فلك أُسوة بالإمام الحسين عليه السلام».

هذه العبارات وغيرها ردّدتها أمهات كثيرات في بقاعٍ فتح الله للمجاهدين فيها باب خاصّته (الجهاد)، في لبنان وسوريا والعراق وإيران... وقد اشتهرت بأثرها العميق في نفوس الأبناء، وشدّ عزيمتهم وتقوية بأسهم حين المواجهة.

* الزوجة: لولا تضحياتها
الزوجة هي الأمين الذي يترك المجاهد أسرته وأبناءه ومستقبلهم تحت رعايتها، معتمداً على قوتها وصلابتها وعنفوانها وإيمانها في مساندته أوّلاً في طريقه الذي يمثّل له الأولويّة أمام أيّ تهديد جدّي لأمّته ولقضيّته ولمبادئه ولدينه، مضافاً إلى أنّها ستتحمّل عبء أن تقوم بدور الأب في غيابه بشكل مؤقّت، وربما بشكل دائم أيضاً إذا عاد شهيداً..

لذلك برزت ظاهرة إعداد المجاهد لزوجته قبل مواجهة تحدّي القتال الجدّي، بأن يُهيّئها لوعي القضيّة والقيام بمهمة تربية الأبناء، لجيل يستمدّ قيمه ومبادئه من تضحية الآباء المشرّفة.

يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله عن أثر هذه التضحية في النصر: «لولا تضحيات زوجات الشهداء، ولولا ما يتمتّعنَ به من إيمان وصبر وصلابة ومعرفة، لما وقفنَ هذا الموقف المحمود أمام خسائر الحرب وتضحيات الشباب والرجال. فلو كنّ قد أظهرن اليأس والامتعاض لما حقّقن الانتصار في الحرب، ولجفّ شوق الجهاد في سبيل الله، وغاض ينبوع الشهادة في قلوب الرجال، ولما كان هذا الحماس، ولما أضفى هذه الحضارة على المجتمع». 

* عوامل نهوض المرأة في الجهاد الخلفيّ
إنّ التضحية والصبر والتحمّل والبأس والرضى والتسليم، لا تأتي مصادفةً، بل نجد أنّ مجموعة عوامل إذا اجتمعت ساهمت في بناء هذا الجيش الداعم معنويّاً وتربويّاً من الأمّهات والزوجات المجاهدات:

1- الوعي بالقضيّة: إنّ إدراك حقّانية القضيّة والاعتقاد بها وفَهمها، شرط أساس في تحريك الإرادة بقوّة وخلق عزيمة وبأس.

2- الإيمان بالله: لأنّ الجهاد سينتهي بإحدى حسنيَين: شهادة أو نصر. ولتحقّق النصر هناك شهادة محتملة، مضافاً إلى صعوبات الفراق وتحمّل المصاعب واحتمال التهجير والعوز والأمراض والاجتياحات ومسؤوليّة الأبناء وانعدام الأمن... وأوّل شرط لتخطّي هذا الاختبار بالنسبة إلى المرأة الصابرة قبل قطف النصر، هو الصبر الذي يؤتاه المؤمنون بالله.

3- الاقتداء بقيم أهل البيت عليهم السلام: من أكبر العوامل التي برزت وقت المحن في شدّ العزيمة والصبر، مواقف أهل البيت عليهم السلام وقيمهم وسيرتهم التي تجعل الموالي لهم يرى كل العقبات التي يمرّ بها مجرد تجارب صغيرة وعوائق ومشكلات راهنة.

4- حُسن التعامل مع النفس وإدارة الآخرين: لكي تعالج المرأة مشكلة التوتر والقلق اللذين يمكن أن يؤثّرا على صبرها وحكمتها وحسن ضبطها للمواقف، عليها أن تعرف كيفيّة التعامل مع نفسها وخوفها وتفهم مفاتيح إدارة انفعالها؛ لأنّها تملك القدرة على تسريب شعورها وإحساسها وانفعالها لكل الأشخاص حولها.

* كالجبل الشامخ
ختاماً، يُعبّر قائد الأمّة الإمام الخامنئيّ دام ظله عن فخره بتضحيات المجاهدات بقوله الشهير: «في القمة المليئة بالمفاخر في هذا المسار، فإنّ أمّهات وزوجات الشهداء والمقاتلين والمضحّين بصفتهم أسوة الصبر والمقاومة، يقفنَ كالجبل الشامخ، ويعطينَ للآخرين دروس التضحية والإيمان. لا يوجد في أيّ مكان من العالم اليوم نساء كأمّهات شهدائنا»(1).

بات العصر مختلفاً عن عصر نسوة الكوفة، بل أصبح لطوعة، ولصوت زينب الذي يصمّ آذان جميع المبطلين.

(1) الارشاد، المفيد، ج2، ص54.
(2) كلمة ألقاها سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقائه مع نخبة من السيدات، بتاريخ 20/5/1421 هـ.ق، طهران.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع