اسم الأم: سميرة مكي
محل وتاريخ الولادة: الصرفند 2 4 1976
الوضع العائلي: متأهل وله ابنتان
مكان وتاريخ الاستشهاد: جبل لبنان 11 5 2008
حينما وقف "علي" عند مدخل روضة الشهيدين قبل استشهاده
بفترةٍ وجيزة، زفر متحسراً: "يا الله! لقد امتلأت الروضة ولم يعد لي مكان". ولكن في
تلك الزاوية ثمة مكان كان ينتظره، حتى إذا ما لاحَ جثمانه مرفوعاً على أكفّ الرفاق،
فتحَ له أحضانه ليضمّه في جنّات النّعيم.
كان علي فتىً ينتظر على أحرّ من
الجمر زيارة ابن عمه عماد، ليس ليسأله عن الدين فحسب، بل أيضاً عن المجاهدين الذين
مَشَوا في طريق ذات الشوكة غرباء، وعلي يتحرّق شوقاً لينضم إلى ركب الغرباء. وكان
عماد نافذةً فتحت شبابيكها أمام ذلك الفتى ليطلّ على العالم الزاخرِ بالروحية
العالية والتفاني والإيثار.. لذا، ذات يوم عندما استشهد عماد، بكاهُ عليّ حزناً
وفرحاً في آنٍ.. وحدهم الشهداء يمزجون دموع الحزن بالغبطة..
* أبى أن يمشي وحيداً
سنوات طويلة قضاها علي في سَوح الجهاد، ومحاور كثيرة حفظت وجهه، فابن برج البراجنة
الذي اختار أن يكون داعية منذ نشأته، أبى أن يمشي في الطريق وحده، فسخّر نفسه
لهداية رفاقه من أبناء الحي، فكان يصحبهم إلى المسجد تارةً، وإلى مركز الكشافة تارةً
أخرى، ولا يفوت الفرصة أثناء اللعب معهم إلا ويحدثهم عن الأحكام الشرعية، فتأثروا
به كثيراً وحذوا حذوه.
في مسجد الإمام الحسين عليه السلام، تربى علي وكبر،
وكانت علاقته مميزة جداً به، فهو يعود من المدرسة إليه ليؤدي صلاته، ولاحقاً صار
يعود من عمله مشتاقاً إلى ذلك الركن الذي يفيض بالروحية الخاصة عليه. وحتى حين كان
التعبُ يأخذ منه كل مأخذ فإنه لم يكن يستطيع الصعود إلى البيت ليرتاح قبل أن يزور
المسجد، ولطالما قال: "أنا بعيداً عن مسجد الإمام الحسين عليه السلام كالسمكة خارج
الماء".
عندما أنهى علي دراسة المرحلة المتوسطة، التحق مباشرة بالحوزة
العلمية، ذلك أنه وإثر قراءته الواعية للواقع الديني والجهادي، رأى أنّ ما يقدّمه
من خدمات للحالة الإسلامية والجهادية بدراسته الحوزوية آنذاك، هو أكثر أهمية له من
الشهادة الأكاديمية. تجلت فيه روح المبادرة والإيثار ولفت نظر كل من حوله بهمّته
العالية وعدم تأخره عن القيام بأي عمل، ففي صغره كان ينتظرُ الجيران ليساعدهم في
حمل أغراضهم الثقيلة على الدرج لكسب الأجر، وفي شبابه وضع نفسه في خدمة أهله ورفاقه،
فمن كان يقع في مشكلة كان يطرق باب علي.
* شجاعةٌ قلّ نظيرها
امتزجت في علي روح المبادرة بشجاعة قلّ نظيرها، حتى أن شجاعته كادت أن تكون تهوُّراً
لولا أنه أجاد ضبط إيقاعها بحكمته ومعرفته الدقيقة بتكليفه. ومن القصص التي لا تزال
حيّة في ذاكرة الناس عن شجاعته، حادثة الحريق الذي حصل إبان قيامه بخدمة العلم في
الجيش اللبناني، فبينما كان مشاركاً في دورية في منطقة الأوزاعي، شبّ حريق هائل في
أحد المحال التجارية، فارتعبت الناس وصارت تصرخ فزعاً من أن تنفجر قوارير الغاز،
فما كان من علي إلا أن اقتحم النار وقطع الأسلاك الكهربائية في المحل وأخرج
القوارير كلها وسط ذهول الضابط الذي كان يصرخ به خوفاً عليه، ولكنه ما إن أنهى عمله
مصاباً ببعض الحروق، نال تنويهاً على عمله الذي أنقذ المنطقة من كارثة محتمة.
في
السادسة عشرة من عمره، قرر علي الالتحاق بصفوف المجاهدين، فصار يدخر مصروفه ليشتري
به ثياباً عسكرية، وما إن أنهى الدورة الأولى حتى كرّت سبحة المشاركات التي بيّنت
أهليته كمجاهد مغوار لا يهابُ شيئاً في سبيل الله عز وجل، فمن حرب تموز في العام
1993، إلى حرب نيسان 1996، فعشرات المشاركات في العمليات العسكرية، تنقل ذلك الشاب
المفعم بالحيوية والمشتاق جداً إلى الشهادة من دون تعبٍ أو كلل، وكنت تراهُ دوماً
الأول في ساحة المعركة.
* لن أستشهد في هذه الحرب!
كان علي من المشاركين في عملية أسر الجنديَّين الإسرائيليين في تموز 2006، وبقي
طوال الحرب في الجنوب يخوض المواجهات ويتنقل من قرية إلى قرية، وكان قبل بدء
العدوان الإسرائيلي قد رأى في منامه أحد أصدقائه الشهداء جاء وسلّم عليه وطلب إلى
علي مرافقته، ولكن علياً أجابه بأنه لن يستطيع القدوم الآن. بعد تلك الرؤيا أدرك
علي أنه لن يستشهد في هذه الحرب، فصار يتنقل من دون وجل تحت عيون طائرات الاستطلاع
وبين صواريخ الطائرات الحربية، ناقلاً العتاد والطعام للمجاهدين خالعاً رداءَ الحذر،
في حين كان يمنع الإخوة الذين معه من التنقل إلا بتدابير صارمة، وكلما سألوه عن سبب
ذلك أجابهم: "لأني لن استشهد في هذه الحرب..".
في إحدى زياراته إلى الجمهورية
الإسلامية، أُبلغ علي بأنه سيتشرف بلقاء الإمام القائد "دام ظله"، فلم يتمالك نفسه
من شدة الفرحة، حتى إذا ما حان وقت اللقاء ارتجف كورقةٍ وسط رياحٍ عاتية، وحينما
وصل أمام السيد القائد "دام ظله"، أغرورقت عيناه بالدموع، وتملّى من وجهه المبارك،
وانحنى مقبّلاً يد السيد المصابة، نسي نفسه ولم يرفع رأسه، ما اضطر أحد الإخوة إلى
التقدُّم ناحيته ورفعه بلطف للإفساح في المجال أمام الإخوة الآخرين بالسّلام على
الإمام "دام ظله".
رزق علي من زواجه بفتاتين كانتا الوردتين اللتين زينتا حياته،
وقد قرر تكليف ابنته الكبرى قبل بلوغها السنّ الشرعية بسنةٍ، وبرّر ذلك بقوله: "أريد
أن أشهد تكليفها قبل أن أستشهد" واستغربت العائلة قول علي. وفي يوم ميلاده الثاني
والثلاثين، وبينما كان وزوجته في منزل ذويه وهم يحتفلون به، عقد علي حاجبيه قائلاً:
"يا إلهي! لقد صرتُ عجوزاً ولم أستشهد بعد! إن شاء الله تنشب حرب عما قريب وأستشهد".
ولم يتأخر ما طلبه علي، وما أن استُدعيَ للقيام بواجبه الجهادي حتى كان من أول
المبادرين للالتحاق بالنقطة المحدّدة له. وأثناء مشاركته في الدفاع عن المقاومة،
عاجلته رصاصة في صدره، ولكنّ رفيقه ظنّ أنها قذيفة لشدة الوميض الذي رآهُ ينبعثُ من
صدر علي.
* العزيز الذي رحل
وإلى روضة الشهيدين، عاد علي، ولكن هذه المرة في نعشه.. كانت القلوب تنثر دموعها
فوق ضريحه، فمن يعرف علياً أو "الحاج عباس" كما يناديه المجاهدون، يدركْ أن هذا
العزيز الذي رحل، قد تحمّل من البقاء ما لا يستطيعه قلب المشتاق صبراً، فهو الذي
طالما زفّ رفاقه شهداء، وقد التقى بهم شهيداً وفياً.