نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: ميقات المناجاة مع الحقّ (*)


اعلم، أنّ لأهل المعرفة وأصحاب المراقبة، على قدر قوّة معرفتهم للمقام المقدّس الربوبيّ واشتياقهم إلى مناجاة حضرة الباري عزّ اسمه، مراقبةً لأوقات الصلاة، التي هي ميقات المناجاة، وميعاد الملاقاة مع الحقّ.

•مراتب المصلّين
1- أهل الجذبة: فالمجذوبون لجمال الجميل، والعاشقون للحُسن الأزليّ، والمشغوفون به، والسكارى من كأس المحبّة، والمصعوقون من قدح "أَلَسْتُ"(1)، الذين فرغوا من الكونين، وأغمضوا العين عن جميع أقاليم الوجود، وتعلّقوا بعزّ قدس جمال الله، فلهم دوام الحضور، وليسوا مبعدين عن الذكر والفكر والمشاهدة والمراقبة لحظة واحدة.

2- أصحاب المعارف: والذين هم أصحاب المعارف وأهل الفضائل والفواضل، وهم شرفاء النفس وكرماء الطينة، فلا يختارون على المناجاة مع الحقّ شيئاً، ويطلبون من الخلوة مع الحقّ ومن مناجاته الحقَّ نفسه، ويرون أنّ العزّة والشرف والفضيلة والمعرفة كلّها في تذكّر الحقّ ومناجاته. فهم، إذا توجّهوا إلى العالم، ونظروا إلى الكونين، يكون توجّههم ونظرهم إليها نظراً عرفانيّاً، ويطلبون الحقّ في العالم، ويرَون جميع الموجودات جلوة للحقّ ولجمال الجميل. يقول الشاعر المعروف السعدي الشيرازي:
حيث منه الكون أجمع   أنا للعالم عاشق

فهم يواظبون على أوقات الصلاة بتمام أرواحهم وقلوبهم، وينتظرون وقت المناجاة مع الحقّ، ويحضّرون أنفسهم ويهيّئونها لميقات الحقّ. فقلوبهم حاضرة، ويطلبون من المحضر الحاضر، ويحترمون المحضر لأجل الحاضر، ويرَون أنّ العبوديّة هي المراودة والمعاشرة مع الكامل المطلق. فاشتياقهم إلى العبادة من هذا الباب.

3- أهل الآخرة: والذين يؤمنون بالغيب وعالم الآخرة، ويعشقون كرامات الحقّ جلّ جلاله، ولا يستبدلون النعم الأبديّة الجنانيّة واللذات والبهجات الدائمة السرمديّة بالحظوظ الداثرة الدنيويّة واللذائذ الناقصة المؤقّتة المشوبة؛ فهؤلاء أيضاً في وقت العبادة التي هي بذور النعم الأخرويّة، يحضّرون قلوبهم، ويقومون بالأمر بإقبال واشتياق، وينتظرون أوقات الصلاة، فإنّها وقت حصول النتائج واكتساب الذخائر، ولا يختارون على النعم الخالدة شيئاً. فهؤلاء أيضاً، حيث إنّ قلوبهم مطّلعة على عالم الغيب، وقد آمنت قلوبهم بالنعم الأبديّة واللذائذ الدائمة لعالم الآخرة، يغتنمون أوقاتهم ولا يضيّعونها، أولئك أصحاب الجنّة وأرباب النعمة، هم فيها خالدون.

هذه الطوائف المذكورة، وبعضها ممّا لم يُذكر، لهم من العبادة نفسها لذائذ على حسب مراتبهم ومعارفهم، وليس لهم كلفة وتكليف فيها أصلاً.

4- المقيّدون بالدنيا: وأمّا نحن المساكين المبتلين بالآمال، والأماني، والمقيّدين بسلاسل الهوى والهوس، والمنغمسين في البحر المسجور الظلمانيّ للطبيعة، الذين لم تصل إلى شامّة أرواحنا رائحة من المحبّة والعشق، وما ذاقت قلوبنا لذّة من العرفان والفضيلة، فلسنا من أصحاب العرفان والعيان، ولا من أرباب الإيمان والاطمئنان، نرى العبادات الإلهيّة تكليفاً وكلفة، والمناجاة مع قاضي الحاجات ثقلاً وتكلّفاً، لا نركن إلى شيء غير الدنيا، التي هي معلف للحيوانات، ولا نتعلّق سوى بدار الطبيعة التي هي معتكف الظالمين، قد عميت أبصار قلوبنا عن جمال الجميل، وهجرت ذائقة أرواحنا ذوق العرفان.

•ميقات الإنسان الكامل الخليفة الأعظم
نعم، إنّ رئيس سلسلة أهل الحقّ وخلاصة أصحاب المحبّة والحقيقة يترنّم بقوله: أَبِيتُ عند ربّي يطعمني ويسقيني... فيا ربّ، ما هذه البيتوتة التي كانت لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم معك في دار الخلوة والأنس؟ وما هذا الطعام والشراب الذي أذقت بيدك هذا الموجود الشريف وأخلصته من جميع العوالم؟ فكان شأن ذلك الرسول العظيم أن يقول: "لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل"(2). فهل هذا الوقت من أوقات عالم الدنيا والآخرة، أو أنّه وقت الخلوة في قاب قوسين وطرح الكونين؟

إنّ موسى عليه السلام صام صوماً موسويّاً أربعين يوماً، ووصل إلى ميقات الحقّ، قال تعالى: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ (الأعراف: 142)، ومع ذلك، أين هذا الميقات من الميقات المحمّديّ؟ فلا نسبة بينه وبين الوقت الأحمديّ.

إنّ موسى عليه السلام في الميعاد خوطب بخطاب فاخلع نعليك، وقد فُسّر بمحبّة الأهل، والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم قد أُمر في ميعاده بأن يحبّ عليّاً، وفي القلب من هذا السرّ جذوة ما أبرح منها بشيء.


(*) مقتبس من كتاب: الآداب المعنوية للصلاة، الباب الرابع، في الآداب القلبيّة للوقت.
1.المراد بـ"أَلَسْت" هنا قوله تعالى: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾ (الأعراف: 172).
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج18، ص360.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع