نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

هل يتعارض الحجاب مع وظيفة المرأة؟

المهندسة ريما فخري(*)

 



يعتبر الحجاب في الدين الإسلامي واجباً من الواجبات الدينية التي يفترض بالمسلمة الإلتزام بها حين تبلغ من العمر تسع سنوات قمرية. والحجاب على عظمة مكانته وأهميته في صياغة شخصية المرأة هو تأكيد لمبدأ أن يكون التعاطي معها في المجتمع على أساس كونها إنساناً، وليس كونها أنثى فقط، إلا أن عوامل وظروفاً اجتماعية عديدة جعلت من مفهوم الحجاب مادة يستغلّها الأعداء في حربهم الفكرية والإعلامية على أمتنا وإسلامنا.

* الهجوم على الحجاب
المسلم الملتزم بتعاليم دينه يعتبر الحجاب واحداً من الواجبات الدينية، والالتزام به ما هو إلا إلتزام بمجموع الواجبات المختلفة التي ينص عليها الدين المحمدي الحنيف. وفي الحقيقة، يمكن القول إن الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة ليس بداية طريق السير والسلوك في خط الطاعة لله تعالى، بل يفترض أن يكون تعبيراً ومظهراً دالاً على قرارها بالالتزام بنهج الإسلام المحمدي الأصيل، بالدستور الذي اختاره الله تعالى للبشر. فالالتزام به وبحسب ما نصّ عليه الشرع المقدس، ما هو سوى تعبير عن عمق إيمان المسلمة بعقيدة التوحيد، والإيمان بأن الله تعالى هو الخالق والمدبِّر والواجب الطاعة. ومن جهة أخرى، وليس بعيداً عن الصراعات السياسية والأيديولوجية التي يشهدها عالمنا اليوم، ولا سيما تلك الحملة الشرسة التي تشنّ ضد الإسلام الأصيل، يرفع أعداء الأمة "الحجاب" في وجهها ويعتبرونه شعاراً للتخلّف والتمييز وغياب المساواة وتكافؤ الفرص في المجتمعات الإسلامية. وهم يستفيدون في هجومهم هذا من بعض الثغرات ومواطن الضعف الموجودة في مجتمعاتنا وأهمها:
ـ عدم وعي شريحة مهمة من نساء وفتيات مجتمعنا فلسفةَ الحجاب، وأن الالتزام به يمتد إلى الإيمان بالله تعالى وربوبيته، وهو وجه من وجوه أداء التكليف في هذه الحياة.
ـ عدم اهتمام الجزء الأكبر من مجتمعاتنا بالطاقات النسائية الموجودة فيها، وهذا ينعكس إهمالاً لتطوير المستوى العلمي للفتيات والنساء، وإهمالاً لتطوير الوعي الثقافي - وبالتالي - إهمالاً للقدرات العملية والإنتاجية التي قد تختزنها الكتلة النسوية في هذه المجتمعات.
ـ إن ضعف الالتزام بتعاليم الشرع المقدس في مجتمع ما، يؤدي مباشرة إلى بروز مظاهر قلة الاحترام بين أفراد الأسرة، ولا سيما الرجل والمرأة، وعدم الاهتمام والحرص المتبادل على حماية الحقوق. هذه المجتمعات الموجودة بكثرة في عالمنا العربي والإسلامي، استغل أعداء الإسلام الثغرات الموجودة فيها ليعمّموها ويحمِّلوا تبعاتها للإسلام العزيز.

فإذا ما تعاطينا مع الحجاب على أنه تفصيل في مسيرة التزام المرأة بواجباتها الدينية، وتفصيل تلتزم به وهي تؤدّي دورها وتكليفها في هذا الوجود، علينا أن نتأمل قليلاً لنقف عند ماهية هذا الدور وهذا التكليف. فما هو دور المرأة في هذه الدنيا؟ وأين موقع الحجاب من هذا الدور؟.

* الحجاب ودور المرأة
خلق الله تعالى الإنسان وأعلن لكلّ الخلق الآخرين، أن مهمة هذا الإنسان هي أن يكون خليفته عزّ اسمه في الأرض، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 30). والخالق الحقّ حين يذكر كلمة الإنسان، في كتابه الكريم، إنما يريد بها الرجل والمرأة على حدٍّ سواء. وبالتالي، فإن الدور الموكل للمرأة أداؤه، منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة، هو خلافة الله تعالى على هذه الأرض، ومطلوب من المرأة، كما الرجل، التكامل بغية تحقيق هذا الهدف السامي. لذلك، فإن المرأة المؤمنة بالله تعالى، والمؤمنة بضرورة إطاعته والتزام نهجه وشرعه، تعلم جيداً أن هذه الطاعة وذاك الالتزام ما هما إلا أساس لأداء المهمّة المطلوبة، تماماً كما هو حال الرجل المؤمن والملتزم بالنهج الإلهي. فإذا نظرنا إلى الواجبات الدينية من هذا المنظار، يصبح للالتزام بها معنىً آخر، ولا يشعر الملتزم بأنه يؤدي واجباً ما مكرهاً عليه، بل هو يؤدي كل واجب، ويتمنّع عن كل حرام، بعين المحبّ والطامح لتحقيق الهدف الأسمى. حين ننظر إلى التكاليف الشرعية بهذه النظرة الشاملة، لن يعود هناك فرق ما بين صلاة وصيام وحج وجهاد وحجاب وتربية الأبناء والتعلّم والتعليم ومساعدة المحتاجين وبناء المجتمع والدولة.. الخ، لأنها كلّها تؤدَّى بهدف إقامة حكم الله تعالى على الأرض.

* دور المحجبة
إن المسلمين الذي يعيشون اليوم، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يتحملون مسؤوليات جساماً تفرضها هذه النظرة لأداء التكليف الشرعي. فاليوم، وفي زمن العولمة، في زمن ارتفاع الحدود المكانية والقدرة العالية على التواصل بين كل أبناء البشر، وفي زمن الهجوم غير المسبوق الذي يشنّه الكفر متسلحاً بكل القدرات والإمكانات المادية والعلمية، ولكن أيضاً ونحن نشهد بداية سقوط العديد من النظريات الوضعية التي حكمت لقرون من الزمن، كالرأسمالية والليبرالية والشيوعية وغيرها، مطلوب منا كمسلمين عموماً، وكنساء خاصة:

1 العمل على نشر العلم والوعي في مجتمعاتنا، العلم العصري لمواكبة التطور، بل لمتابعته، والعلم بالإسلام حتى يدرك أبناؤنا عظمة العقيدة التي يحملون، وقدرتها وحدها على بناء مجتمع الصلاح والعدل والنهوض.

2 الالتزام الحقيقي بمبادئ الإسلام العزيز، وتقديم صورة نموذجية للمجتمعات الأخرى، بل تقديم مصداق حقيقي لمجتمع ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم (الفتح: 29)، ومجتمع ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (آل عمران: 110)، خاصة وأن مستلزمات هذا الالتزام قيام أسرة متكافلة، متضامنة، يحترم أفرادها بعضهم بعضاً، تحقق العدالة في المجتمع، وتكافؤ الفرص بين أفراده، وتوزيع المهام والمسؤوليات والوظائف على أساس الكفاءة والقدرات وليس على أساس الجنس أو العائلة أو غيرهما من الاعتبارات.

3 على المرأة أن تتسلّح بالعلم والمعرفة، وأن تضع هذا العلم في سياق مسيرة أدائها لتكليفها الإلهي، خلافة الله على الأرض، فتخرج إلى المجتمع متسلحة بما تملك من علم، وبإيمانها الذي يعتبر حجابها أحد تجلياته، لتعمل في كل المجالات، وتشارك في عمليات التعليم والتربية والرعاية الصحية والاجتماعية، والبناء والتجارة والصناعة، وغيرها من فعاليات النهوض بالمجتمع والدولة. هذه هي المرأة الإنسان المتوجّه نحو الكمال ليحقِّق الهدف من خلقه وإيجاده. هي المرأة التي شهدت لله تعالى بالوحدانية، وأدركت أن هذه الشهادة تستلزم عدم إطاعة غيره، لا سيما هواها، والمرأة التي شهدت لمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة، - وبالتالي أقرّت بأن الرسالة الوحيدة المفترض اعتمادها قانوناً وشرعاً للحياة هي رسالته صلى الله عليه وآله.

* الحضور الفاعل للمحجبة
هذه هي المرأة التي تلتزم في هذا الزمان بحجابها، وفق المعايير التي حددتها رسالة محمد صلى الله عليه وآله، وتعتبر هذا الالتزام وجهاً من وجوه إيمانها بربوبية الله تعالى، ووجهاً من وجوه الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله، ووجهاً من وجوه العمل في مسيرة خلافتها لله تعالى على الأرض. هذا النموذج النسائي، بل الإنساني الملتزم، نجده منذ انطلاق حركة النهضة الإسلامية والمقاومة لكل أشكال الظلم والاستعمار في مجتمعاتنا، وبالتحديد مع انتصار ثورة القائد الرباني، الإمام الخميني قدس سره. فالملتزمة بالحجاب خرجت لأداء دورها في كل الساحات. وصرنا نرى المحجبات المجاهدات في كل مؤسسات خدمة المجتمع، وحتى في المؤسسات الخاصة، يعملن في مجالات الإدارة والهندسة والتعليم والطب والتمريض والتجارة وعلوم تقنيات الحاسوب، وانتاج الطاقة النووية لأغراض التنمية والتطور، كما في إيران. أما حضورهن ففاعل ومؤثر، بل أؤكد أنه أساس نجاح الكثير من مؤسسات المجتمع المدني وتطورها. هذا الحضور الفاعل للمرأة المحجبة والملتزمة بمبادئ الإسلام سببه الفهم الأصيل لمعنى الحجاب والالتزام. اليوم صار حجاب المرأة المسلمة شعاراً أساسياً في مسيرة الصراع بين الإسلام المحمدي الأصيل، وبين معسكر الكفر والباطل. وأمامنا فرصة عظيمة، في الزمن الذي يتقدم فيه أنموذج الإسلام الأصيل، وتتراجع فيه الأيديولوجيات الوضعية، أن تأخذ المسلمة دورها في هذا الصراع، وتثبت للعالم أنها المرأة التي تخرجت من مدرسة إسلام محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.

المرأة التي مثّلتها الزهراء عليها السلام حين حفظت الإسلام الأصيل من التحريف ووقفت في مسجد أبيها في المدينة المنوّرة لتلقي خطبتها الشهيرة التي حدّدت فيها أصول الدين وأعمدته. والمرأة التي مثّلتها زينب عليها السلام بعد شهادة الحسين عليه السلام في كربلاء، فحملت الإسلام ونشرته ليصل إلينا بعد أكثر من 1350 سنة سليماً من التحريف الذي أراد بنو أمية إلحاقه به.

(*)عضو المجلس السياسي في حزب الله

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع