نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مواكب اللطم تنادي: "يا حسين"


تحقيق: نانسي عمر


"في غرفة العناية داخل المستشفى، ودّعتُ الوالد واعتذرتُ منه عن عدم قدرتي على المجيء في اليوم التالي؛ لأنّه كان يصادف يوم العاشر من المحرّم، حيث كنّا نتجهّز لموكب اللطم في مسيرة العاشر، كما في كلّ عام. وفي يوم العاشر، قبل أن نبدأ المراسم، تلقّيتُ اتصالاً من أخي يخبرني فيه أنّ الوالد قد توفّي! حينها تغيّرت ملامح وجهي وأحسّ الإخوة في الموكب بأنّني تلقّيتُ نبأً غير سارّ، ثمّ تحوّل الموكب إلى موكب تعزية بوالدي. كان موقفاً صعباً لا يمكن أن أنساه؛ فبين أن أكمل مع الإخوة في الموكب مواساةً لأبي عبد الله عليه السلام، أو أن أنسحب لأشارك مع العائلة مراسم التعزية بوفاة الوالد، كان الخيار أن أبقى...".

•تحضيرات على قدمٍ وساق
هي قصّة يرويها الحاج أبو عدنان، أحد منظّمي موكب أبي الفضل العبّاس عليه السلام، الذي اعتاد أن يكون على رأسه كلّ عام، والذي يبدأ التحضير له قبل ثلاثة أيّام من يوم العاشر، حيث يُدعى الإخوة جميعاً الذين واكبوا مجالس اللطم اليوميّة للتحضير لمسيرة العاشر، ويتحدّد موعد الحضور عند فجر يوم العاشر للبدء بتحضير المواكب، فيتجهّزون بلباسٍ خاصٍّ وأكفان، ويعصبون رؤوسهم بعصبات عليها شعارات حسينيّة، ويكون لكلّ موكب فريق خاصّ من الإخوة يقوم بالعمل على أن يكون الشباب منضبطين خلال استماعهم للمصرع الحسينيّ في مجمع سيّد الشهداء عليه السلام، وبعد انتهاء المصرع، تبدأ المسيرة، ويبدأ الموكب بالمسير بشكلٍ منضبط ومنظّم كما تدرّبوا عليه.

يقوم الموكب بعدد من النشاطات العاشورائيّة؛ فيتمّ التدريب مع الإخوة القيّمين على موكب اللطم قبل دخول محرّم بأسبوع بعد اختيار الرادود. وفي اليوم الأوّل من شهر محرّم، يأتي الفريق القيّم على الموكب مع الرادود للتدرّب على اللطميّة التي سيلقيها بعد المجلس يوميّاً في كلّ ليلة، من الساعة الخامسة بعد الظهر حتّى السابعة قبل بدء المجلس، وذلك خلال الأيّام العشرة من محرّم.

•على خُطى العبّاس عليه السلام
وبحسب "أبو عدنان"، فإنّ تسمية الموكب باسم أبي الفضل العبّاس عليه السلام تعود لأنّه اسم يجذب الشباب بشكلٍ خاصّ، الذين يتأثّرون بصفات العبّاس عليه السلام، كالإيثـــــار والتضحية والإباء، وهو الذي كان سنداً للحسين عليه السلام، وكافلاً لزينب عليها السلام، وساقيــاً للعطاشى. ويقول أبو عدنان إنّ الشهيد رضوان فارس (رضا أبو رضا) هو من عمل على تأسيس الموكب في منطقة بيروت الغربيّة في حوالي سنة 1992م، لينتقل بعد ثلاث سنوات إلى الضاحية الجنوبيّة.

•مؤذّن الأمّة
يستقطب الموكب الشباب الجامعيّين لما لدورهم من أهميّة في هذا العصر، فالطالب الجامعيّ -بحسب أبو عدنان- هو مؤذّن هذه الأمّة، فإذا بقيَ نائماً، صارت صلاة الأمّة قضاءً. ويذكر أنّ الشهيدَين جهاد مغنيّة ومحمّد جوني كانا من مؤسّسي موكب اللطم الخاصّ بالجامعيّين في مجمع سيّد الشهداء عليه السلام.

•من شعيرةٍ إلى ثقافة
تطوّر اللطم في مراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام من شعيرةٍ إلى ثقافة تتناقلها الأجيال، فتفاعل معها الأطفال والناشئة في حلقات لطمٍ خاصّةٍ بهم، وتألّقت مع تخصّص رواديد في إنشاد الشعر الرثائيّ بطرق وأساليب تراعي الناشئة. وقد شكّل هذا التطوّر فرصةً جيّدةً لتعزيز هذه الشعيرة عند الأبناء، والمساهمة في استثمارها تربويّاً وثقافيّاً، وزرع مجموعةٍ من القيم في نفوس الأطفال والناشئة.

•دور الكشافة في تعريف الناشئة
تمكّنت جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من نقل هذه الثقافة من الكبار وزرعها في نفوس الصغار والناشئة من خلال تعريفهم على مشروعيّتها ودلالتها، وتدريب الموهوبين منهم على الإلقاء المتميّز للطميّات، وتنظيم الأجواء الخاصّة لهم للمشاركة والتفاعل فيها.

يؤكد الشيخ محمّد السبلاني (مفوّض البرامج العامّة في كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف) على دور الكشّافة في تعريف الناشئة على مفهوم اللطم، وكيف أنّنا نلطم صدورنا حزناً على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام، ولا نقوم في المقابل باللطم على وفاة قريبٍ لنا أو صديق، لما للحسين من كرامة عند الله. واللطم على مصيبته أمر مستحب.

وبحسب الشيخ السبلاني، فإنّه ينبغي أن تكون إقامة مراسم العزاء متناسبةً مع عزاء سيّد الشهداء عليه السلام، وبالكيفيّة المتعارفة نفسها. لذلك، تحرص الكشّافة على أن تكون مضامين اللطميّات العاشورائيّة وألحانها منسجمةً مع الخطّ الإسلاميّ الأصيل، بعيداً عن أشكال اللطم التي تستلزم الضرر بحقّ النفس أو الغير، والإساءة والهتك لحرمة المذهب، فالأعــداء يتابعــون بدقّةٍ المراسم العاشورائيّة، عسى أن يجــدوا فيها ضعفاً فينفذوا منه.

•حلقات اللطم للناشئة
أمّا عن أنشطة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في إحياء شعيرة اللطم عند الناشئة، فيقول السبلاني إنّها تنظّم مئات حلقات اللطم خلال أيّام الإحياء العاشورائيّ، حيث يردّد فيها الأطفال المشاركون مقطعاً من مقاطع المرثيّة، ويلطمون بأيديهم على صدورهم بضرباتٍ رمزيّةٍ خفيفة، وفي إيقاعٍ متواصلٍ مع صوت الرادود.

وتعتني الجمعيّة باختيار اللطميّات الواضحة والسهلة الفهم بما يتناسب مع استيعاب الأطفال، كما يتمّ شرح معاني الألفاط غير المفهومة، ويتمّ التركيز على القصائد ذات المضامين القرآنيّة والإسلاميّة، والتي تصبّ في اتّجاه زيادة المعرفة الدينيّة والارتباط بأهل البيت عليهم السلام.

•دورات "الرادود الحسينيّ" للناشئة
وتبادر الجمعيّة -أيضاً- إلى تدريب الناشئة ذوي الصوت الحسن على إلقاء اللطميّات بألحانٍ حزينةٍ ومؤثّرة، وبأساليب فنّيّة مميّزة، فتساهم من خلال هذه الأنشطة باكتشاف الموهوبين وتنمية قدراتهم، وتنظّم لهم دورات "الرادود الحسينيّ"، وتحرص على تدريبهم على أداء اللطميّة قبل إلقائها أمام المشاركين في مجالس الناشئة، وترشدهم إلى أهميّة ما يقومون به، وكيف يستغلّون أصواتهم في سبيل إعلاء كلمة الحقّ من خلال الصرخات والأناشيد الكشفيّة واللطميّات الحسينيّة. وتعمل الجمعيّة على تحفيز الموهوبين منهم من خلال منحهم الأوسمة وتقديم الهدايا لهم في مباريات أفضل رادودٍ حسينيّ.

من جهةٍ أخرى، يقوم القادة الكشفيّون بإرشاد الأطفال إلى كيفيّة إظهار الحزن في حلقات اللطم، وعدم الضحك واللعب أثناءها، وحثّهم على التفاعل والمشاركة بالطريقة المناسبة، حزناً على الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، مضافاً إلى تعويدهم على الانضباط أثناء اللطم، فيقسَّم الأطفال الحاضرون إلى حلقات لطم بشكلٍ منظّم.

•اللطم ثقافة حزن ومواساة
"يعتبر اللطم أسلوباً من أساليب إظهار الحزن على أبي عبد الله الحسين عليه السلام ومواساةً له عليه السلام". وقد شكّل اللطم الجزء الأساسيّ في إحياء المراسم الحسينيّة، وقد جذب الناشئة والشباب بسبب الحماس الشديد له". ويؤكّد أنّ درجة التأثير في المشاركين في حلقات اللطم كبيرةٌ بمقدار أثر مجلس وعظٍ كامل، ويعود هذا الأمر إلى النسق الترديديّ للّازمة القوليّة التي تعتبر عادةً جوهرَ الأداء في اللطميّة، ومن خلال إرساء حركات اللطم لنصرة المستضعفين ومواجهة المستكبرين والظالمين، مع الأخذ بعين الاعتبار الأداء الجماعيّ لهذه الحركات المنظّمة والمنسجمة مع الإيقاع واللحن الحزين، "هذا كلّه يوفّر حالةً وجدانيّةً لدى المشاركين، فيتماهى الفرد مع المجموعة". وتساهم شعيرة اللطم أيضاً في تشجيع مشاركة الناشئة في الإحياء العاشورائيّ، وتعزيز الارتباط الروحيّ والوجدانيّ بالإمام الحسين وبأهل البيت عليهم السلام، فيتمّ التركيز على اللطميّات التي يتمحور موضوعها حول الولاء للحسين وأهل بيته عليهم السلام، وخاصّةً صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فتساهم في تعزيز الارتباط الروحيّ به والشعور بوجوده المقدّس في مختلف الميادين، والدعاء والتضرّع بشكلٍ مستمرّ إلى الله تعالى بتعجيل فرجه.

وتحمل القصائد المختارة المضامين العالية التي تساهم في تربية الناشئة على المفاهيم والقيم العاشورائيّة، بما يتناسب مع المراحل العمريّة المختلفة، وفي استلهام العبر والقيم العاشورائيّة، ولا سيّما التضحية والإيثار والتسليم بمشيئة الله تعالى، والرضى بقضائه، والتعرّف إلى أهميّة الشهادة والشهداء في سبيل الله ومقامهم وعظيم أجرهم في الدنيا والآخرة.

•في حضرة أهل البيت عليهم السلام
ويختم الشيخ محمد السبلاني بالقول: "نسأل الله تعالى أن يشمل اللطف الإلهيّ، ودعاء الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف جميع من يساهم في إحياء هذه الشعيرة عند الناشئة، وأن يكونوا محطّ عناية السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام".
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع