صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تسابيح جراح: لو قُطِّعنا..لو حُرقِّنا..لن نتركك

لقاء مع المجاهد الجريح علي ألّوس
داليا فنيش


يستيقظ عليّ ذات صباح ووجهه متورّم بسبب إصابته بتحسّس. تلقّى اتصالاً للالتحاق بالعمل، فأخبر زوجته أنّه سينطلق صباح اليوم التالي، في مهمّة جديدة، غير آبهٍ بوضعه الصحيّ. استعدّ لتحضير أغراضه، وإذ بابنته آية، التي تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، تركض قبله، وتبدأ بتجهيز الحقيبة بنفسها، قائلةً: "أنا أفتخر بك يا أبي... لا تخفْ علينا فنحن أقوياء، وإذا استشهدت أو أصبت سنكون سعداء؛ لأنّ الله اختارنا أن نكون كالسيّدة زينب، وأبي الفضل العبّاس عليهما السلام الذي دافع عن الإمام الحسين عليه السلام لأنّه هو صاحب الحقّ، ونحن كذلك أصحاب حقّ، وعقيدة، ونهج".

•العام المَفْصِل
عليّ، الابن الأكبر لأسرة أنشأت أبناءها على حبّ آل البيت عليهم السلام والقيام بالواجبات الدينيّة. انتسب إلى الكشّافة، وخضع للعديد من الدورات الكشفيّة. تزوّج عام 2002م، وهو أب لثلاثة أولاد: آية، وعليّ الرضا، وعليّ الهادي: "هؤلاء غيّروا حياتي". كان عام التحرير 2000م المَفْصِل في حياته، فعندما سمع كلام الأمين العام لحزب الله في الاحتفال الكبير الذي أقامته المقاومة في بنت جبيل، شعر بشيء غريب، فقال في نفسه: "لماذا لا أشارك هؤلاء الأبطال في الجهاد؟"، فبدأ العمل على تحسين أدائه، ولكنه بدأ بحضور الدروس الثقافيّة والدينيّة، متمّماً لها بالعسكريّة. وفي عام 2002م انتسب إلى صفوف المقاومين، وخضع لدورات عسكريّة عدّة، كما أنّه شارك في حرب تمّوز عام 2006م.

•شعورٌ بالقلق
عندما بدأت المؤامرة على سوريا، كان لدى عليّ شغف بالمشاركة لدحر الأعداء، كي يحمي الأطفال والنساء من ظلم التكفيريّين، فكان له ذلك، وواجههم في معارك عدّة، إلى أن أُبلغ بالمهمّة الجديدة التي بدأ يستعدّ لها.

في الصباح، ودّع أبناءه، لكنّهم استوقفوه على غير العادة، طلبوا منه اللعب معهم والبقاء أكثر، وسأله أحد أبنائه: "كم يوماً ستبقى في عملك؟"، فقال: "لن أتأخّر"، وانطلق ليودّع والدَيه، فالتفت والده إلى والدته قائلاً: "سوف يأتي عليّ هذه المرّة من سوريا جريحاً وليس شهيداً".

•"أعطني فرصة جديدة"
وصل إلى مكان عمله، وكان وجهه لا يزال متورّماً من فرط الحساسيّة، فرفض المسعف مشاركته في المعركة، ولكنّه أصرّ على البقاء هناك، فتلقّى علاجاً بالحُقن لمدّة يومين، صباحاً ومساءً، دون أيّ تحسّن، وفي اليوم الثالث، قال له المسعف: "سنرسلك إلى بيتك؛ لأنّ وضعك الصحيّ لا يسمح لك بالمشاركة". يتابع علي: "قلت له إنّني لن أذهب إلى أيّ مكان، وطلبتُ منه أن يعطيني فرصةً إلى اليوم التالي". وفي صباح اليوم التالي، استيقظ عليّ معافى، فتعجّب المسعف من ذلك، فضحك عليّ وقال: "أهل البيت عليهم السلام تدخّلوا".

•"يا أبا عبد الله"
بدأ التحضير للهجوم. كان على المجموعة اقتحام موقع لتطهير المكان من التكفيريّين. انطلقت المعركة، ودارت اشتباكات عنيفة ضدّ نحو 40 تكفيريّاً. "كان إلى جانبي الشهيد حسن المصري، الذي استشهد في معركة أخرى، فطلب منّي أن أنتبه من القنّاص، ولم يكد يكمل كلامه حتّى شعرتُ بسخونةٍ في جسدي، وبدأ الدم يسيل من رقبتي... ناديتُ يا أبا عبد الله الحسين، وهذه كانت آخر جملة ألفظها".

•حالةٌ حرجة
لم يستيقظ عليّ إلّا وهو في المستشفى. كان لا يتكلّم ولا يمشي، والآلام تنال منه. بقي في العناية الفائقة شهرين، وهو يعتقد أنّ الغرفة مظلمة، ليكتشف لاحقاً أنّ الظلمة في عينيه!

تقول والدة الجريح: "كان ابني في غيبوبة، وعندما دخلتُ للعناية كي أطمئنّ على حاله، بدأتُ بالتحدّث معه، فنزلت دمعة من عينه". في هذه اللحظة، تقطّع قلب الوالدة حزناً على ولدها، وبدأت بالتوسّل بالسيّدة زينب عليها السلام لتخفّف من أوجاعه، فقد كانت حالته حرجة جدّاً، والطبيب المعالج استبعد أن يستيقظ من الغيبوبة بسهولة؛ لأنّ الإصابة في الرقبة.

•قلبٌ ينبض بالحياة
يقول شقيق الجريح: "يوم إصابة عليّ، هبّ والدي فجأة، في التاسعة والنصف تقريباً، وقال لي: (اتّصل بأخيك). تفاجأتُ من طلبه، وسألته: (لماذا؟)، فقال: (أريد أن أسمع صوته، لا أعرف ما به، ولكنّه بحاجتي!). وبعد نصف ساعة، رنّ الهاتف، وأخبرونا أنّ عليّاً استشهد! فقد تداول أهل الضيعة خبراً أنّه شهيد، ليتبيّن بعد ساعات أنّ قلبه نبض للحياة من جديد". كانت الرصاصة قد اخترقت النخاع الشوكيّ، وتعرّض نتيجتها لتجلّطات عديدة ونزيف داخليّ، أمّا عيناه، فقد أبصر بهما بعد مدّة. وكان الطبيب يقول للأهل: "يجب أن تشكروا الله إذا ما بدأ يعطي إشارات، ولو من خلال عينيه، فهذه ستكون معجزة!".

•أملٌ كبير
عندما استيقظ عليّ من غيبوبته بعد نحو شهرين، وجد والده بجانبه، ويده بيده، نظر إليه وأخذ يبكي. جاء الطبيب لفحصه كالعادة، وراح يضرب على رجله، فشعر عليّ بالوجع، وأعطى بذلك إشارةً إلى أنّه يستجيب للحياة، التي عادت تبتسم له من جديد. وبعد أسبوع، ضرب الطبيب على يده، فحرّكها كذلك، حاملاً إلى أهله أملاً وبشرى أنّه سيكون بخير. دخلت آية غرفة والدها، نظرت إليه والدموع تسيل على خدّيه، فأحسّ عليّ بشيء من العاطفة القويّة، جعلته يتكلّم للمرّة الأولى بعد الإصابة، فتمتم بكلمات: "لا تبكي، لقد حطمتِ قلبي. لا أستطيع أن أرى هذه الدموع تنهمر، فهي عزيزة على قلبي!". ومنذ تلك الحادثة، نطق عليّ مرّة أخرى، ومع التدريب، أصبح يتكلّم تدريجيّاً، ولكنّ صوته كان خافتاً جدّاً أثناء إجراء المقابلة معه.

•جلسات العلاج
بدأت مرحلة الجلسات العلاجيّة بمختلف أشكالها، فيما كانت حالته تتحسن باستمرار.
خرج عليّ من المستشفى، ولكنّه بقي يتابع علاجه الفيزيائيّ المكثّف، وبدأ بالمشي لمسافاتٍ قليلة. لم يتمكّن بعد من تحريك يديه، على أملٍ أن يحرّكهما في المستقبل. كما ويطمح للقيام بالعديد من النشاطات والمشاريع عندما ينتهي من العلاج.

•كلمات شكر وامتنان
يتوجّه عليّ بكلمة شكر لزوجته: "فهي تحمّلت وصبرت على معاناتي وأوجاعي، وأتمنى أن يكون في بيت كلّ جريح زوجة مثاليّة مثلها، فعند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان. وأشكر أبنائي، وخاصّة ابنتي آية، لأنّها تقدّم العون والمساعدة لي في بعض احتياجاتي، وتحفظ مواعيد الدواء والعلاج، ودائماً تقول لي: أنت أهمّ من كلّ شيء في هذه الحياة..

وأقول لسماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله): المسيرة مستمرّة، وأنا أقدّم نفسي، وروحي، ومالي فِداك يا سيّدي، وفداءً لهذا النهج المقاوم، فلو قُطّعنا، ثمّ حُرقنا، ثمّ ذُرِرْنَا في الهواء، يُفعل بنا ذلك ألف مرّة فإنّا على نهجك ولن نتركك".


الاسم الثلاثي:
علي عيسى ألّوس.

محل الولادة وتاريخها:
الحلّانيّة 13/4/1977م.

نوع الإصابة وتاريخها:
شـلــل كـلّي 27/4/2017م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع