نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

15 شعبان: الإحياء والتمهيد


تحقيق: نقاء شيت


إذا وُفّقت أن تسير في أحد شوارع مدينة قم المقدّسة، الذي يربط بين مقام المعصومة عليها السلام وبين روضة الشهداء، في ليلة محدّدة من شهر شعبان، ستجده مختلفاً عن باقي أيّام السنة: الزينة، والناس الذين يفترشون الطريق بموائدهم وحلوياتهم، البطاقات والمعايدات، صغاراً وكباراً... إنّه عيد تلتقطك بهجته دون استئذانٍ منك، لتسأل ما هو هذا العيد العظيم؟ لتتفاجأ أنّه يومٌ يُعلن مراسم الفرح؛ لأنّه يحمل عهود وأمانات وآمال مستقبل البشريّة... إنّه يوم ولادة الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فكيف تكون مراسم الفرح عهوداً للتمهيد؟ وكيف نستشعر قيمته في نفوسنا؟ وكيف نزرع مباهجه في نفوس الأطفال والناشئة بوصفهم جيل التمهيد؟ وأيّ قيم خاصّة بالتمهيد والانتظار يحمل إحياؤه؟


جولةٌ في الضاحية، بين الناس والشباب والأطفال، لنرى صورةً اخرى لإحياء هذا اليوم، من قريب.

•كلٌّ على طريقته
بضحكة فرح وعفويّة عبّرت سمر (5 سنوات) عمّا يحمله قلبها الصغير من حبّ للإمام، فقالت إنّها تريد تـزيـيــــــن المـنــزل، وتوزيع نصف الهدايا التي أحضرها لها والدها على الأطفال. ما أجمل أن يرتبط مولد المنتظر بالعطاء!

أمّا فاطمة الزهراء (7 سنوات)، وهي تحفظ القرآن الكريم مع أخيها وأولاد عمّتها في معهد قرآنيّ، فقالت ببسمة طاهرة: "أحبّ أن تجتمع العائلة كلّها، ونتناول الحلوى "كاتو" والعصير، ونوزّع هدايا لأكثر الأولاد حفظاً للقرآن". كان جميلاً جدّاً أن تربط الطفلة حفظ القرآن بولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

"أريد أن أوزّع الكيك والعصير على الناس في الشارع، وبطاقات تحمل عبارات عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعبارة كلّ عام وأنتم بخير"، قال آدم (7 سنوات).

ولمحمّد (14 سنة)، أسلوب مختلف في الاحتفال، إذ يرغب في إدخال الفرحة إلى قلوب الأيتام والعجزة في هذه المناسبة، فيتمنّى لو تُنظّم زيارات للأطفال إلى الجمعيّات، أو المدارس، أو المؤسسات: دُور الأيتام والعجزة، ويقدّمون لهم الهدايا باسم الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

أمّا الشاب عليّ الرضا (17 سنة)، فقال: "عندما تحبّ شخصاً ما، يمكن أن تفعل له أيّ شيء لتعبّر له عن حبّك، ومن الجميل أن يعبّر كلّ فرد انطلاقاً ممّا يحبّ. وبما أنّني أحبّ المسرح، فإنّني أرغب في أن تنفّــــذ مسرحيّات وتمثيليّات للصغـار والكبــــار، تحكــي عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، أو صفاته، أو طرق التمهيد لظهوره الشريف".

•إحياء للتمهيد
وهكذا، يمكن أن تكون طريقة الإحياء هذه السنة مختلفة ومميّـزة عمّـا سبق، تتعـدّى الاحتفـــال الفرديّ في كلّ بيت؛ ولتكون حلقة فـي سلسـلة التمهيــد للظهور الموعود.

ولكن كيف يمكن جعل الإحياء أوسع وأشمل، فيطال أكبر فئات في المجتمع؟

•محاكاة الواقع الحاليّ
وفي محاولة لدعم هذه الأفكار عمليّاً، وقراءة أهميّة إظهار القيم في إحياء 15 شعبان، أكّد د. علي فضل الله (أستاذ في الحوزة ومُحاضر جامعي في علوم الإعلام والسياسة)، أنّ هذه المناسبة يجب أن لا تمرّ مرور الكرام، وعلى أهميّة أن تتوافق الاحتفالات مع متطلّبات الجيل الحالي وتحاكي عقولهم واهتماماتهم، وأن نتّجه إلى عالم الرقمنة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ، وقنوات الإعلام... التي تهيمن على العالم اليوم.

1- مواقع التواصل الاجتماعيّ: اقترح د. فضل الله تطوير رايات القماش إلى لوحات إعلانيّة إلكترونيّة على الطرقات، تحمل تصميمات حديثة لمصمّمي غرافيك من الشباب، فضلاً عن إقامة حملة إلكترونيّة، قبل عشرة أيّام مثلاً من تاريخ الولادة، على مواقع التواصل الاجتماعيّ، عبر "هاشتاغ موحّد" يختصّ بالمناسبة، مع منشورات ذات قيمة ورسائل ذكيّة تحاكي المناسبة.

2- القنوات الإعلاميّة: ومن الناحية الإعلاميّة، أشار د. فضل الله إلى أنّ لقنوات الإعلام التأثير الكبير في هذا المجال، فهي تستطيع تسليط الضـــــــوء على المناسبة عبر التعداد الزمانــــــيّ التراجعيّ "c عليها السلامunting d عليها السلامwn"، على شاشاتها التلفزيونيّة، قبل مدّة من تاريخ الولادة، فيلتفت الناس للمناسبة ويتهيّؤون لها.

3- عطلة رسميّة: أمّا على الصعيد الأكاديميّ، فيمكننا المطالبة بعطلة رسميّة يوم 15 شعبان، والاستغناء -في المقابل- عن يوم عطلة آخر قليل الأهميّة. ومن هنا، سيلتفت العالم إلى هذا اليوم وأهميّته، ويبحثون عن حقيقة صاحبه ودلالاته.

4- الأسواق التجاريّة: وكما هي الحال في الأعياد الرسميّة والميلاد وغيرها، تستطيع محلات الحلويات، وبحسب د. فضل الله، تكثيف عروضاتها في هذا اليوم. وكذلك بالنسبة إلى محلات الثياب وغيرها؛ إذ تستطيع على مدار عشرة أيّام ملء واجهاتها بملابس ومنتوجات تختصّ بالمناسبة، كبروشيرات تحمل اسم الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وشعاراته، مضافاً إلى تصميم غلافات للهواتف الخليويّة حول هذه المناسبة.

5- الخطاب الدينيّ: أمّا في ما يخصّ الخطاب الدينيّ، فقد لفت د. فضل الله إلى التركيز على الجانب العاطفيّ في سيرة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى جانب العقليّ فيكون الخطاب اجتماعيّاً بهدف توحيد المؤمنين كافّة بعيداً عن الخلافات؛ ففكرة المخلّص الموعود هي فكرة جامعة لكلّ الأديان، والجميع يؤمن أنّه في يوم ما سيأتي إلى العالم من يزيل الباطل ويحقّ الحقّ. فما هي النتيجة المبتغاة من تلك الإحياءات كلّها؟

•أثر الإحياء في نفوس الناشئة والشباب
هذا التنوّع في الإحياء الذي يحاكي الأعمار والفئات كلّها، سيكون له أثر على جيل الشباب، وهذا ما يخبرنا عنه الأستاذ الحوزويّ فضيلة الشيخ محمّد الحمود (أستاذ حوزويّ ومشرف دينيّ تربويّ)، حيث قال إنّه عندما يُحيي الإنسان ذكرى حبيب عزيز عليه، يشعر بأنّ قلبه وجوارحه كلّها متوثّبة لتلك الذكرى العزيزة، وهو يترقّب على أحرّ من الجمر وصول الحبيب باشتياقٍ لا يوصف. بالتالي، فإنّ إحياء الميلاد المبارك للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يحمل اعتبارات عظيمة ودلالات واسعة، فهي مناسبةٌ عزيزةٌ تغمر الدنيا بفيوضاتها، وبارقةُ خلاص قريب من عصور الجور والاستبداد.

1- جيل مؤمن مُنتظِر: يرى الشيخ الحمود وجوب الاستفادة من هذه الذكرى لإعداد جيل مؤمن، واعٍ، مخلص، ومضحٍ، وبحجم المسؤوليّة، يتولّى نصرة الإمام والإعداد لظهوره وعياً، وإيماناً، وتنظيماً، وقوّةً. من هنا، ينبغي لكلّ من يُحيي ذكراه من المؤمنين أن يسعى إلى تقوية علاقته بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، والقيام بواجباته؛ من تكاليف العبادات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيله.

2- السرور والأمل: ويتابع فضيلة الشيخ حديثه ليقول: "إنّ المؤمن المنتظِر لقدوم مولاه كلّما اشتد انتظاره، ازداد جهده واستعداده لظهوره، وتحقيق شروط الانتظار الحقيقيّ في نفسه؛ لذا، ستنعكس الإحياءات ومظاهر الفرح على باطنه من خلال إدخال السرور والأمل إلى قلبه، والطمأنينة إلى أنَّ الإمام يراه، ويسمعه، ويجيب نداءه، ويلبّي استغاثته".

3- تعزيز الانتظار العمليّ: إنّ هذه المناسبة -بحسب سماحته- يجب أن تعزّز فينا انتظار الفرج، ليس بالشعور والإحساس فحسب، وإنّما التمهيد والإعداد لظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو حركة وفعل، وجهد، وجهاد، وعطاء، وتضحية، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذا المفهوم الإيجابي للانتظار هو الذي يستحقّ هذه القيمة الكبيرة التي تعطيها النصوص الإسلاميّة له.

4- الأمل بالتغيير: يتعلّم المسلم من خلال دروس الانتظار أنَّه لا يوجد طريق مسدود في حياته، وأنّه يجب أن لا ييأس، ويُحبط، ويجلس ساكناً ويقول: "لا يُمكن أن أفعل شيئاً". فالانتظار حركة واعية منبعثة لا تعرف السكون أو اليأس، واستعداد مستمرّ لكلّ حدث.

•مجتمع مهدويّ
يؤكّد فضيلة الشيخ محمد الحمود مرّة أخرى على الالتزام بخصائص الجيل المهدويّ؛ لنكون قد أتممنا حقّ الاحتفال بمولده. ومن هذه الخصائص: الالتزام بتعاليم الإسلام، وأحكامه، وقيمه، والعمل على نشر الإسلام، وتعريف الناس به، وتقديمه لشعوب العالم كخيار وحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتقديم صورة مشرقة، ونقيّة، وصافية، وأصيلة عن الإسلام للعالم من خلال سلوكه، ومواقفه، وجهاده، مستنداً إلى رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ، وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ"(1).

•جزء من حياتنا
ختاماً، أكّد د. علي فضل الله أنّه لا بدّ من استذكار غيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف التي نعيشها كلّ يوم، لكن لا يجب أن تصبح هذه الغيبة جزءاً روتينيّاً من حياتنا، بل علينا السعي بشكل يوميّ لاستذكار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بطرق مختلفة والتمهيد لظهوره الشريف بوسائل عدّة، ومنها الإحياء والاحتفال. وحذّر من أن نعود في هذا الزمن ونغفل عن أهميّة هذه المناسبة، كما سبق وأُغفلت لقرونٍ مضت، فأدّت إلى تشكيك بعضهم في حقيقتها، والأهمّ من هذا كلّه، أن لا نملّ الانتظار يوماً.


1.بحار الأنوار، المجلسي، ج52، ص140.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع