الشيخ محمد باقر كجك
هكذا يقفُ الواحد منّا مذهولاً: لقد مرّت القرون الطّوال
ولا تزال تلك الشخصيّة الفريدة تشرق وتزهو، ويتجدّد جمالها كل حين. ورغم المآسي
العظيمة التي لم تزل تمرُّ بها البشرية حتّى يومنا، تبقى شمسُ جمالِ الزهراء عليها
السلام تضيء، وتنشر الأمل، وتبعث الثّقة في أرجاء الإنسانية المهتزة.
وللحديث عن السيدة الزهراء عليها السلام جمالٌ وأنسٌ لا يدانيه شيء، فقد كانت عليه
السلام تجمع في شخصيّتها المعظّمة العديد من الصّفات والكمالات النفسانية، ما جعلها
تتفرّدُ في مجموعةٍ من الصّفات والنّعوت كانت في الحقيقة تعبّر بكلّها عن تلك
الشخصية الفذّة. وقد أُفردت بخصائص معيّنةٍ خصّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
بها، كما أتى بعده من أهل البيت عليه السلام وبقية المسلمين مَن أراد أن يميّز فيها
خصيصةً ما أو صفةً تركت فيه أثراً، أو عنَت لهم مثلاً.
وبالتّالي يحقُّ لنا السؤال المشروع والبسيط هنا: ما هي هذه الأسماء والصّفات؟ وإلى
أيّ شيءٍ ترمز في الشخصية النورانية للزهراء عليها السلام؟
لقد ورد في تراثنا الروائي عن أهل البيت عليهم السلام العديد من الأسماء والأوصاف
التي جرى استخدامها في معرض الحديث عن فاطمة عليها السلام، حتى أنها تجاوزت الخمسة
عشر. منها ما رُويَ عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لفاطمة تسعة أسماء عند
الله عزّ وجلّ: فاطمة والصدّيقة والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية
والمَرْضيَّة، والمحدَّثة، والزّهراء" (1).
فيما يلي سنستعرض أهمّ هذه الأسماء والأوصاف:
* لماذا "فاطمة"؟
إنّ اسم فاطمة هو أكثر الأسماء شهرةً لها عليه السلام، ولعلّ في الرّوايات عدداً من
التفسيرات لهذه التسمية، منها ما ورد عن الإمام علي عليه السلام: "سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سُمّيت فاطمة لأنّ الله فطمها وذريتها من النار، من
لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به"(2).
وهذا الاسم كان محبوباً عند أهل البيت عليه السلام، يحترمونه ويحترمون من سُمِّيَت
به، فقد روي عن السَّكوني أنه قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم
مكروب، قال لي: يا سكوني ما غمّك؟ فقلت: وُلدت لي ابنة... فقال: ما سمّيتها؟ قلت:
فاطمة، قال: آه آه آه... ثم قال عليه السلام: أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها
ولا تلعنها ولا تضربه" (3).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: "لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد..
وفاطمة من النساء" (4).
* فاطمة "الصّدّيقة"
والمصدّق هو كثير التصديق بكل ما أمر الله به وبأنبيائه، لا يدخله في ذلك شك،
ويؤيده قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (الحديد: 19).
والمستفاد من الآيات الكثيرة والروايات المتعددة أنّ مرتبة الصدّيقين في عداد مراتب
الأنبياء والشهداء، الذين لهم حساب خاص بهم ودرجة مخصوصة. وذلك هو منطوق الآية
المكرّمة: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (النساء: 69).
والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سمّاها بالصدّيقة، فعنه صلى الله
عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام: "أُوتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهنَّ أحدٌ ولا
أنا: أُوتيتَ صهراً مثلي ولم أُوت أنا مثلي، وأُوتيتَ زوجةً صدّيقة مثل ابنتي ولم
أُوت أنا مثلها زوجة، وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك ولم أُوتَ من صلبي مثلهما،
ولكنكم مني وأنا منكم" (5).
* فاطمة "المُبَاركَة"
لقد جعلَ الله في السيدة فاطمة عليه السلام أنواعاً من البركات، وجعل ذرية رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسلها، والخير الكثير في ذريَّتها، فهي قد استشهدت
تاركةً ولدين وابنتين فقط، وهم: الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام وزينب وأُم
كلثوم. ثم جاءت واقعة كربلاء التي استُشهد فيها أولاد الحسين عليه السلام ولم يبق
منهم إلّا الإمام السجاد عليه السلام. ومع ذلك كلّه فقد جعل الله البركة في نسل
الزهراء عليها السلام، وكثر حتى بلغ في زماننا أعداداً كبيرة في مختلف بلاد الله
تعالى.
* فاطمة "الطّاهِرَة"
والطهر صفة للجسد والروح، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم في آية التطهير، في قوله
تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الأحزاب: 33).
وممّا لا شكّ فيه أنّ آية التطهير تشمل الزهراء عليها السلام قطعاً، وبإجماع
المفسرين والمحدّثين من الشيعة والسنّة، إلا من شذّ وندر. إذ إنّ جميع الأحاديث
الواردة حول نزول هذه الآية متفق على شمولها لعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم
السلام.
وعن أبي سعيد الخدريّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية أنّه قال: "جمع
رسول الله علياً وفاطمة والحسن والحسين، ثم أدار عليهم الكساء فقال: هؤلاء أهل بيتي،
اللهم أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، وأمُّ سلمة على الباب فقالت: يا رسول الله
ألستُ منهم؟ فقال: إنّكِ لعلى خير" (6).
* فاطمة "الزّكيّة"
والزكاة في اللغة: "الطهارة والنماء والبركة والمدح".
* فاطمة "الراضِيَة"
الرِّضا بما قدَّر الله تعالى لعبده، يعتبر من أعلى درجات الإيمان بالله عزّ وجلّ.
وقد رضيَت السيّدة الزهراء عليها السلام بما قُدِّر لها من مرارة الحياة. والتأريخ
يحدّث عن المصائب والنوائب التي انصبّت على فاطمة الزهراء عليها السلام منذ نعومة
أظافرها إلى أن فارقت الحياة في عنفوان شبابها، وهي في جميع تلك المراحل راضية بما
كتب الله لها من اضطهاد وحرمان وأحزان وهموم وآلام.
* فاطمة "المرضية"
إن للمرضيين عند الله تعالى درجة عالية، ومنزلة سامية، فهناك القليل من عباد الله
الذين رضي الله عنهم فكانوا مرضيين عنده بسبب اعتدالهم واستقامتهم، ومن جملة الذين
فازوا بتلك المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام،
فإنّ الله تعالى قد رضي عنها، فكانت مرضيةً في أعمالها التي عملتها، ورضي عنها ربها
بما عملت من طاعته.
* فاطمة "المُحَدّثَة"
روي في تفسير هذا اللقب عن عيسى بن زيد بن علي عليه السلام أنه قال: "سمعت أن أبا
عبد الله عليه السلام يقول: إنّما سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من
السّماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول الملائكة: يا فاطمة إنّ الله
اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين" (7).
* فاطمة "الزهراء"
تكاد تكون هذه الصفة من أبرز أسمائها عليها السلام، فعن ابن عباس أنه قال: "قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين
من الأولين والآخرين، وهي بضعةٌ منّي وهي نور عيني، وهي ثمرةُ فؤادي وهي روحي التي
بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسيَّة، متى قامت في محرابها بين يديّ ربّها (جلّ جلاله)
زهر نورها لملائكة السماوات كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض" (8).
وبهذا الحديث اتّضح لنا تسميتها ب"الزهراء"، وهناك أحاديث أخرى بهذا المضمون، تشير
إلى أنها كانت تتمتَّع بوجهٍ مشرق منير زاهر، وغير ذلك من التفسيرات.
كان هذا كلاماً مجملاً عن أسمائها، أعلى الله مقامها، عليها وعلى أبيها وزوجها
وبنيها آلاف التحيات.
(1) كشف
الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، ج 2، ص 91.
(2) الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 570.
(3) الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 49، ح 6.
(4) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 21، ص 396، ح 1.
(5) الأسرار الفاطمية، الشيخ محمد فاضل المسعودي، ص 397.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 35، ص 212.
(7) م. ن، ج 14، ص 206.
(8) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 64.