متى تريدون أن تهتموا بنفوسكم وتعملوا على تهذيبها
وإصلاحها؟ إنكم الآن في ريعان الشباب قادرون على التحكُّم بقواكم إذ لم يدب الضعف
بعد إلى أبدانكم؛ فإذا لم تفكروا الآن بتزكية أنفسكم وبناء ذواتكم، فلن تتمكنوا من
ذلك غداً، لأن الضعف سوف يتغلب عليكم؛ فيسيطر الوهن، وتفقدون العزم وتضمحل فيكم
الإرادة.
عندما يكون ثقل الذنوب قد زاد من ظلمة القلب، فكيف سيتسنى لكم بناء أنفسكم
وتهذيبها؟ إن كل نفَس تتنفسونه، وكل خطوة تخطونها، وكل لحظة تنصرم من أعماركم، تزيد
من صعوبة إصلاحكم لأنفسكم، وربما زاد عمركم أيضاً في ظلمة القلب والتباهي والغرور.
فكلما تقدّم العمر بالإنسان تزداد هذه الأمور التي تتعارض مع سعادة الإنسان، وتضعف
القدرة على الإصلاح. فإذا بلغتم مرحلة الشيخوخة فمن الصعب أن توفَّقوا لاكتساب
الفضيلة والتقوى. ليس بمقدوركم أن تتوبوا، لأن التوبة لا تتحقق بمجرد لفظة "أتوب
إلى الله"، بل تتوقف على الندم والعزم على ترك الذنوب.
وإن الندم والعزم على ترك
الذنوب لن يحصلا للذين أمضوا عمراً في الغيبة والكذب، وابيضّت لحاهم على المعصية
والذنوب، فمثل هؤلاء يظلّون أُسارى ذنوبهم إلى آخر أعمارهم.
* فكِّروا بأنفسكم!
فليتحرك الشباب قبل أن يداهمهم المشيب. - لقد بلغنا هذه المرحلة ونحن أعلم
بمعاناتها ومصائبها-. إنكم ما دمتم في مرحلة الشباب تستطيعون أن تفعلوا كل شيء. فما
دمتم تملكون عزيمة الشباب وإرادة الشباب، باستطاعتكم أن تتخلصوا من أهواء النفس
ورغباتها الحيوانية. ولكن إذا لم تبادروا إلى ذلك، ولم تفكروا بإصلاح أنفسكم
وبنائها، فسوف يكون ذلك ضرباً من المحال عندما تبلغون مرحلة الهرم.. فكِّروا
بأنفسكم ما دمتم شباباً ولا تنتظروا إلى أن تصبحوا شَيَبة ضعافاً عاجزين. إن قلب
الشاب رقيق وملكوتي، ودوافع الفساد فيه ضعيفة. ولكن كلما كبر الإنسان استحكمت في
قلبه جذور المعصية إلى أن يصبح استئصالها من القلب أمراً مستحيلاً؛ كما ورد في
الحديث الشريف عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة
بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج من النكتة البيضاء نكتةٌ سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد،
وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا تغطى البياض لم يرجع
صاحبه إلى خير أبداً(1).
* الأمانات الإلهية
إن إنساناً من هذا النوع قد لا يمرُّ عليه يوم أو ليلة دون أن يعصي الله تعالى،
وحينها يكون من الصعب أن يرجع قلبه في سن الشيخوخة إلى حالته الأولى. فإذا لم
تصلحوا أنفسكم لا سمح الله خرجتم من الدنيا بقلوبٍ سوداء وعيونٍ وآذانٍ وألسنةٍ
ملوثةٍ بالذنوب، عندها كيف ستقابلون الله تعالى؟ كيف ستؤدُّون هذه الأمانات الإلهية
التي استودعكم الله إياها بمنتهى الطهارة والبراءة، مدنسةً بالقذارة والرذالة؟ هذه
العين وهذه الأذن اللتان هما تحت تصرُّفكم، وهذه اليد وهذا اللسان اللذان تحت
سلطتكم، وهذه الأعضاء والجوارح التي تعيشون معها، كلها أمانات الله سبحانه وتعالى،
وقد منحكم إياها في غاية السلامة والطهارة، فإذا ابتُلِيَت بالمعاصي فسوف تتلوث،
وإذا تلوثت بالمحرمات لا سمح الله فسوف تجد طريقها إلى الرذالة، وآنذاك عندما
تريدون إعادة هذه الأمانة فقد تسألون: أهكذا تُحفظ الأمانة؟ هكذا كان القلب عندما
أُعطِي لكم؟ العين التي استودعناكم إياها، هكذا كانت؟ وسائر الأعضاء والجوارح التي
جعلناها تحت تصرفكم، هل كانت هكذا ملوثة وقذرة؟
* ربح الدنيا والآخرة
بماذا ستجيبون عن هذه الأسئلة؟ وكيف ستواجهون الله الذي خُنْتم أماناته إلى هذا
الحدّ من الخيانة؟ إنكم الآن شباب، وقد قرّرتم أن تفنوا شبابكم في هذا الطريق الذي
لن ينفعكم دنيوياً بما يستحق الذكر، فإذا أمضيتم أوقاتكم الثمينة هذه وقضيتم ربيع
شبابكم في طريق الله ومن أجل هدفٍ مقدّس، فإنكم ليس فقط لم تخسروا شيئاً، بل تربحون
الدنيا والآخرة. ولكن إذا ما استمرت أوضاعكم على هذا المنوال الذي عليه الآن، فإنكم
تَتْلفون شبابكم وتهدرون خيرة سنوات عمركم، وستكونون مسؤولين أعظم مسؤولية عند الله
تعالى في العالم الآخر. علماً أن جزاء أعمالكم الفاسدة والمفسدة هذه لا تنحصر
بالعالم الآخر، بل إنكم سترون أنفسكم في هذه الدنيا وقد أحاط بكم البلاء من كل جانب،
وسُدَّت عليكم الآفاق وضُيِّق الخناق.
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 273.