صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أوّل شهداء التحرير الثاني ياسر أيمن شمص (آدم)


نسرين إدريس قازان

اسم الأمّ: جمانة فارس.
محلّ الولادة وتاريخها:
النبي إنعام 1/10/1991م.
رقم القيد:
110.
الوضع الاجتماعي:
عازب.
مكان الشهادة وتاريخها:
جرود عرسال، 21/7/2017م.



يتهادى ظلّه في ذلك الزقاق، قاصداً دكّان جاره الذي ما إن يلمحه آتياً حتّى يدرك أنّ ياسراً قد تسلّم راتبه الشهريّ، فيفتح الدفتر على الصفحة المدوّن عليها أسماء الذين لم يستطيعوا تسديد ديونهم؛ ليدفعها ياسر عنهم. وفي إحدى المرّات، سأله صاحب الدكان: "أليس عليك أن تفكّر في مستقبلك؟ ادّخر أموالك لبيتك"، فنظر إليه ياسر مبتسماً: "هذا ما أفعله، فأنا أشتري بيتاً في الجنّة".


وأيُّ جنّة؟! جنّة الوصال التي لا يرى فيها إلّا الله، وهو الذي كان يردّدُ في سجوده وركوعه: "اللهمّ اقبلني على علّاتي"، فتقبّله ربّه بقَبولٍ حَسَن.

* في منبت علمٍ ودين
كثيرون كانوا يغبطون ياسراً على قدرته في نظم حياته، التي لم يكن ينقصها إلّا تأسيس أسرة، ولكنّ ياسراً كان يُلقي بشباك أحلامه على ضفّة أخرى من ضفاف الوجود. الشاب بهيّ الطلعة، هو نجل عالم دين، يعدُّ أحد أبرز المربّين في مدينة بعلبك، فتربّى في منزلٍ تغمره المحبّة والصبر والتضحية، وقد ساهم هذا المحيط في تميّز شخصيّة ياسر، ولكنه لم يتّكئ على ذلك، بل حَمَل الإصرار عصاً وتوكّأ عليها في مسير حياة رسمها لنفسه، فلمع نجمه وأضاء بين أترابه.

* القرآن ربيع قلبه
لقد كان ياسر ذا تديّن صافٍ فطريّ، حرص على أن لا تدنّسه مغريات الدنيا، فانتسب إلى كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو في العاشرة من عمره، وكان عنصراً فاعلاً في الأنشطة الثقافيّة والترفيهيّة، وسرعان ما انتسب إلى جمعيّة القرآن للتوجيه والإرشاد، ليبدأ رحلته مع ربيع القلوب، ويزهر فؤاده بحفظ 25 جزءاً من الكتاب المجيد. حاز العديد من الجوائز والتنويهات، وكانت له إطلالاتٌ تلفزيونيّة متكرّرة، وقد سرى القرآن وتعاليمه في روحه، وهذا ما زاد في تديّنه وتأدّبه.

* الشهادة: أمنيةٌ وأكثر
قصد ياسر بيروت لمتابعة دراسته الجامعيّة، في مجال إدارة الأعمال، والتخطيط للشروع في العمل إلى جانب التحاقه بالتعبئة العسكرية. فأنهى اختصاصه إلى جانب عمله كمجاهدٍ إداريّ في حزب الله، وكان يُشارك في الدورات العسكريّة والمرابطات، ويدّخر إجازاته وأيّام عطله ليستغلّها في المرابطة. ولشدّة تفانيه كان حاضراً ليناوب عن أحد رفاقه الذين تعذّر عليهم المرابطة لأمور خارجة عن إرادتهم. وكان لافتاً حرصه على حضوره الدائم في المحور بما يفيض عمّا يُحدَّد له من مشاركات عسكريّة، وبات من حوله يدركون في قرارة أنفسهم، أنّ الشهادة ليست أمنيّةً تعتمر قلبه فقط، بل هي هدف يسعى إليه، فأينما تقده الطريق يمشِ، فمن "قارة" إلى "يبرود" ومن "القصير وريفها" و"زيتا" و"جوسي" و"جرود نحلة"، إلى غيرها، خارطة رسمها ياسر بتصميم وشجاعة.

* زيارة الأربعين: وصال الروح
في كلّ سنة، كان ياسر يوفّق لزيارة الأربعين، طاوياً مسافات العشق بين النجف وكربلاء سيراً على قدميه. تلك الرحلة التي كان يحلّق فيها عالياً، ففيها يضعُ رحال روحه المشتاقة للوصال، ومنها يغترفُ الشُربة التي لا يظمأ بعدها أبداً.

* شوقٌ يُغيّر دفّة السفينة
نال ياسر شهادة الليسانس قبل استشهاده بسبعة أشهر، حينها اتّفق مع والده قبل عشرة أيّام من عمليّة "جرود عرسال" على إكمال دراسته العليا في بيروت.

وبينما كان يُعدُّ نفسه للسفر إلى إيران، وقد جهّز جواز سفره وأغراضه، قبل يومين من سفره، تقرّرت عمليّة "تحرير جرود عرسال". ما إن تناهى إلى سمعه الخبر حتّى غيَّر دفّة سفينته، فجلس بالقرب من أمّه قائلاً لها: "أنا لن أسافر إلى إيران، بل سأشارك في معركة عرسال"، تعجّبت والدته؛ لأنّ عمله إداريّ، فوضّح لها: "سواء أكان عملي إدارياً أم عسكريّاً لا فرق، سأشارك في العملية". أدرك ياسر أنّ اللحظة التي انتظرها باتت قريبة جداً، لقد أنبأه قلبه بذلك، فأخذ يوصي بوصاياه في طيّات حديثه، تارةً لأبيه، وطوراً لأمّه، وكانت آخر وصاياه رسالته إلى صديقه، أوصاه فيها بوالدته.

* أوّل الواصلين
انطلقت "معركة الصادق" بنداء: "يا زهراء" و"يا أبا عبد الله". كلّ الأنظار كانت تتّجه إلى جرود عرسال، وكلّ الشفاه تتمتم بالدعاء للمجاهدين؛ فالمعركة قاسيةٌ وصعبة.. كان البِشرُ يلوح في وجه ياسر الذي لم تغب ضحكته ولا حماسته. بدأت المعركة، عصّب ياسر جبهته، وانطلق مع رفاقه قائلاً: "إنّ الله سيقبلني على علّاتي". وأثناء اقتحامهم الموقع أصيب رفيقه، فسارع ياسر إلى إسعافه، وبينما كان يضمِّد جرحه، أصابته رصاصة قنصٍ في عنقه، فاستشهد على الفور.
ياسر شمص، كان أوّل شهيد في المعركة، عبّر قادة المقاومة عن شهادته بقولهم: "نحن انتصرنا بدماء ياسر".

وكان وعداً مفعولاً، ونصراً مبيناً، ووصل ياسر إلى ما بذل عمره لأجله. وقد كرّمته الجامعة التي تخرَّج منها أثناء حفل التخرّج، وأطلقت منحةً دراسيّةً سنويّةً باسمه؛ تخليداً لذكراه العطرة.


1- الاحتجاج، الطبرسيّ، ج 1، ص 134.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع