نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخلاقنا: الحمد لله ربّ العالمين(*)


الشهيد السيد مصطفى الخميني قدس سره

اعلم يا أخي العزيز:
أنّك إذا شهدت أنّ الله تبارك وتعالى قد أنعم عليك النّعم الظاهرة والباطنة، وأعطاك الآلاء الكثيرة الخفيّة والجليّة، وهيَّأ لك أسباب الرقاء والوصول إلى دار البقاء، وأعدّ لك ما تحتاج إليه في المعيشة الدنيويّة بالنظام التام وفوق التمام، فعليك أن توجّه إليه حمدك وأن تقطعه عن الآخرين، وتنقطع إليه انقطاعاً كليّاً تامّاً، فتكون في جميع اللحظات والحركات والساعات والآنات، متوجّهاً إلى حضرته، حامداً شاكراً، مثنياً مادحاً بجميع الأعضاء والأفعال. فهل يقتضي وجدانك أن تعصيه وتخالفه بما أنعم عليك من القوى؟ ففي محضره الربوبيّ، هل ترضى أن تصرف قدرته وإرادته وحكمته في ما لا يرضى به، وينهى عنه؟!


* حمدٌ يورِثك ثواب الشهداء
عليك، أيّها العزيز، صرف عمرك الشريف في حمده القلبيّ واللسانيّ والحاليّ والفعليّ، فتكون بحسب القلب حامداً إيّاه، وراضياً بما يصنعه، ومسلّماً لأمره، محبّاً لمعروفه، مبغضاً لمنكره، فتجاهد الجهاد الأكبر، فتكون شهيداً أو في حكم الشهيد ثواباً، فتشملك الروايات الواردة في ثواب الشهداء(1).

* التوبة والإنابة باب الوصول
فإذا كنت هكذا، وصرت من أهل الحال، لتستحق المواهب الإلهيّة والواردات القلبيّة، وترث الجنّة التي يرثها عباده الصالحون بسبب العمل الصالح وتزكية القلوب القاسية. وعلامة ذلك، الشوق إلى الإنابة والتوبة، فإنّها أوّل قدم العبد في الدخول إلى دار الربّ، والوصول إلى حلاوة القرب. فيا الله، انزع ما في قلوبنا من غلّ، حتّى نكون صالحين للجلوس على مأدبتك، وأذقنا، اللهمّ، طعمَ عفوك وحلاوةَ مغفرتك ورحمتك، حتّى نخرج عن غياهب الذلّ وعن جلباب الكفر والنفاق، وإليك يا ربّ المشتكى.

* الحمد: متى يكون لله؟
حُكيَ عن بعض أهل السير؛ أنّ الحمد على ثلاثة أوجه: أوّلها: إذا أعطاك الله شيئاً تعرف من أعطاك، والثاني: أن ترضى بما أعطاك، والثالث: ألّا تعصيه ما دامت قوّته في جسدك.
وعن بعضهم في ذكر أنّ للحمد موضعاً خاصّاً، وإلّا لم يحصل المقصود، أنّه قيل له: كيف يجب الإتيان بالطاعة؟ قال: أنا منذ ثلاثين سنة أستغفر الله عن قولي مرّة واحدة: الحمد لله، فقيل كيف ذلك؟ قال: وقع حريق في بغداد، واحترقت الدكاكين والدور، فأخبروني أنّ دكّاني لم يحترق، فقلت: الحمد لله، وكان معناه أنّي فرحت ببقاء دكّاني حال احتراق دكاكين النّاس، وكان حقّ الدين والمروّة أن لا أفرح بذلك(2).
ولست أبحث عن صحّة هذه المقالة وعدمها، ولكن أجد في نفسي أنّ الإنسان ذو نفس خدّاعة مكّارة، دقيقة رفيقة مع الشيطان الرجيم، وتكون غاية همّها سَوق الإنسان إلى ذلك الرفيق الخبيث، فكثيراً ما يشهد الإنسان مأدبة جامعة لشتات الأغذية، فيأكل ولا يذكر الله تعالى حتّى مرّة واحدة، وإذا اتّفق له في يومٍ، ما لا يرضي به شهوته وطمعه لقلّته ورداءته، يذكر الله تعالى على هذه المائدة، ويحمده كثيراً، غافلاً عن أنّ هذا التحميد والشكر مشتمل على نوع من الكفر والإلحاد وعدم الرضى بما أعطاه الله تبارك وتعالى، ويريد أن يطفئ نار غضبه الباطنيّ بالحمد اللسانيّ، فنعوذ به تعالى من شرّ الأعداء(3).

* تدبَّر في تربية الله لك
1- في خلق الإنسان
يا أخا الحقيقة ويا عزيزي! تدبّر في الربّ الذي يربيك، ما أنعمَ عليك، وما يصرفه في توجيه اللطف إليك. فتأمّل في أسباب تربيتك، وأنّك كنت قطرة من النطفة الرذيلة النجسة من صلب الأب، فانتقلتْ إلى رحم الأم، فصارت علقة أولاً، ثم مضغة ثانياً، ثم تولّدتْ بعد ذلك منها الأعضاء المختلفة، والعظام المنتظمة، والغضاريف والرباطات والأوتار والأوردة والشرايين، على نظام خاصٍّ متين لا ينحلّ، ثمّ حصلت في كلّ واحد من تلك المكامن والأعضاء، أنواع القوى البصريّة والسمعيّة والشميّة والذوقيّة واللمسيّة... ثمّ أعطف -تعالى وتقدّس- عواطف الأمّهات والآباء عليك، وجعلك في خبايا قلوبهم وزوايا نفوسهم موردَ الحبّ والشوق والعشق، حفظاً لك عمّا يتوجّه إليك، ودافعاً عنك المضارّ والمضادات الوجودية البالغة إلى ملايين عدداً بل نوعاً.

2- في المأكل والمشرب

انظر إلى ما خلقه [الله] وهيّأه لتربيتك البدنيّة، من الأغذية والأشربة المختلفة الأنواع المتشابهة وغير المتشابهة، وأنّه تعالى كيف لاحظ في ذلك تسهيل الأمور عليك، وكيف لطف بك وفي حقّك، من بذل هذه الأنعم والآلاء غير القابلة للإحصاء.

3- في الآداب والأخلاق والاعتقاد

فإذا تفكّرت ساعة وتأمّلت دقيقة من هذه الناحية -وهي النشأة الماديّة-، فاعطف وجهك ونظرك إلى المسائل الروحيّة والآداب الأخلاقيّة والاعتقادات الروحانيّة. فإنّه -تعالى وتقدّس- عالِم بالأسرار والعوالم، ويرى حاجتك في سائر الآفاق والظروف، فيهيّئ الأسباب المورثة لخلاصك من الآفات والبلايا -التي في جنبها تلك البلايا الدنيويّة ضئيلة جدّاً ويسيرة واقعاً-، فأرسل الرسل وأنزل الكتب، وقد تحمّل في ذلك الرّسل المعظّمون والأنبياء الشامخون، مصائب كثيرة ممّا لا يُعدّ ولا يُحصى، وقد امتلأت كتب التأريخ من تلك الرزايا المتوجّهة إليهم -عليهم الصلاة والسلام- حتّى حُكي عن رسولنا الأعظم أنّه قال: "ما أُوذي نبيّ مثل ما أوذيت"(4). وما كان ذلك كلّه إلّا صيانة لك عن تبعات الأعمال الرذيلة في البرازخ والقيامة، فهم أطباء النفوس، مبعوثون لهداية البشر وتربيته وإخراجه من النقص إلى الكمال، فإذا كنت من أهل البصيرة والفكر، وتوجّهت إلى هذه الجهات والنواحي والفواحي، فهل لا يحصل في نفسك لهذا الوجود العظيم ولهذا الكريم الكريم، الرحمن الرحيم، حبّ وشوق وعشق؟! فإذا لم تكن كذلك فالموت لك خير. ولنعم ما قال عزَّ من قائل: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان: 44).

* سبحانه ما أعظم رحمته وأتمّ تربيته!

وإذا وجدت في قلبك له عشقاً وشوقاً فعليك بازدياده، حتّى لا يبقى في قلبك لغيره شيء، أفيحسن بالإنسان الملتفت المتوجّه إلى أطراف القضايا أنّ تعلق نفسه بغير الربّ العزيز الذي قيل في حقّه: إنّه تعالى يملك عباداً غيرك وأنت ليس لك ربّ سواه؟! ثم إنّك تتساهل في خدمته والقيام في وظائف طاعته، كأنّ لك ربّاً، بل أرباباً غيره، وهو سبحانه يعتني بتربيتك حتى كأنّه لا عبد له سواك، فسبحانه ما أعظم رحمته وأتمّ تربيته!

* كن مظهر اسم "الربّ"

أيّها العزيز، لا تماطل في القيام بما أراد منك، ولا تكن من العاصين المتمرّدين على أوامره ونواهيه، واجتهد في أن يصير وجودك رهن مقاصده. ومن أهمّ طلباته تعالى، القيام والاهتمام بأمور المسلمين، وهداية البشر إلى الطريق المستقيم، فكن مظهر الاسم "الربّ" في توجيه الناس إلى الآخرة، وفي تصغير الدنيا في نفوسهم، وفي تعظيم الديانة في قلوبهم. والله هو المعين والمستعان(5).


(*) المواعظ الواردة في هذه الرسالة استخرجت من تفسير القرآن الكريم للعلامة المحقق آية الله المجاهد الشهيد السعيد السيد مصطفى الخميني قدس سره، التي عنونها تحت عنوان الأخلاق والآداب والنصيحة.
1-راجع: وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 9-10، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 1، الحديث 19-23.
2-التفسير الكبير، الفخر الرازي، ج 1، ص 224.
3- تفسير القرآن الكريم، الشهيد السيد مصطفى الخميني، ج 1، ص 325- 328.
4- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، السيوطي، ج 2، ص 144؛ بحار الأنوار، المجلسي، ج 39، ص 56، تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام، الباب 73.
5- تفسير القرآن الكريم، (م.س)، ج 1، ص 389- 392.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع