نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سمات القدوة في القرآن


الشيخ فادي ناصر


هناك علاقة وطيدة وترابط وثيق بين القدوة والأسوة التي يتَّخذها الإنسان لنفسه في هذه الحياة للوصول إلى أهدافه المنشودة. فوجود القدوة في حياة البشر مؤثّر في تربيتهم وتوجيههم نحو الأهداف الكبرى والغايات التي يضعونها لأنفسهم، إلى الحدِّ الذي يمكننا معه القول إن المرء لا محالة على طريقة ومنهج من يتَّخذه قدوة له وأسوة في هذه الحياة، على قاعدة: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ"(1).

* معنى الأسوة
والأسوة تعني القدوة "تأسيت به، اقتديت به"(2). وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتِّباع غيره، إن حسناً وإن قبحاً وإن ساراً وإن ضاراً(3). بمعنى أخر القدوة تعني: "التبعية والتسنن بما في غيره من قول أو عمل أو سيرة"(4).

* القدوة في القرآن الكريم
نظراً للتأثير الكبير للقدوة والمثل الأعلى في النفوس والعقول والقلوب، أولى القرآن الكريم اهتماماً بالغاً بهذا الأمر، وحثَّ الناس على اتِّخاذ القدوة والأسوة الصالحة في هذه الحياة لضمان الوصول إلى الأهداف والغايات الصالحة، وحذّر من مغبة اتباع النماذج الفاسدة لأنَّ في ذلك الخطر الجسيم والعاقبة السيئة. والقرآن الكريم يعرض نموذجين من القدوة والأسوة في هذه الحياة، ويبيِّن عاقبة اتِّباع كلٍّ منهما:

- النموذج الأوَّل: هم أهل الحق، من الأنبياء والرسل والصالحين.
- النموذج الثاني: أهل الباطل، من المترفين والمستكبرين والفاسدين.

في النموذج الأول، يتحدَّث القرآن الكريم عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كقدوة وأسوة للمسلمين، وعن نبي الله إبراهيم عليه السلام أيضاً كمثلٍ أعلى وقدوة صالحة يُحتذى بها لأجل الوصول إلى الأهداف السامية للخلقة الإنسانيَّة. يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب المباركة: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً (الأحزاب:21).  وفي سورة الممتحنة الشريفة يقول عزّ وجلّ أيضاً: ﴿قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في‏ إِبْراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ... * لَقَدْ كانَ لَكُمْ فيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَميدُ(الممتحنة: 4-6). كما وردت كلمة القدوة في القرآن الكريم بلفظة "إماماً" أيضاً كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقينَ إِماماً(الفرقان:74)، أي "اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون"(5).

* القدوة سبيل للهدف
بالتأمل في هذه الآيات الشريفة نكتشف هدف الإنسان وغايته من هذه الحياة. فمن كان هدفه في هذه الحياة وغايته لقاء الله تعالى والحياة الآخرة، وبلوغ مقام الذكر الدائم للحق سبحانه وتعالى بحيث يصبح الله تعالى حاضراً دائماً في عقله وقلبه وروحه، عليه أن يتَّخذ لنفسه القدوة والأسوة التي تساعده وتضمن له الوصول إلى هذا الهدف الشريف والسامي. لذا أمر الله تعالى كلَّ من يبحث عن سبيل الهداية والفلاح في الحياة الآخرة، باتباع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإيمان به: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(الأعراف:158). كما وإنَّ حياة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي هو كبير الأنبياء، تلهمنا أيضاً دروساً في العبودية للّه، والطاعة والجهاد في سبيله، والوله والحبّ لذاته المقدّسة: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ ديناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهيمَ خَليلاً(النساء:125).  ومن دون أدنى شكّ أنّ هذا التأسّي والاقتداء يرجع نفعه إلى المسلمين أنفسهم قبل الآخرين، لذا يقول سبحانه في النهاية: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (الحديد:24). وتجدر الإشارة إلى أن الآية الأولى التي تأمر الناس باتخاذ الرسول قدوة كانت قد نزلت في غزوة الأحزاب.

* النبي القدوة
أثبت النبي للمسلمين إيمانه الكامل بما جاء به من التعاليم الإلهية ووفاءه التام لها من خلال مقاومته وصلابته ورباطة جأشه وتوكّله على الله واعتماده عليه، فأثبت لهم أنَّه يطبِّق قبل الآخرين ما يأمرهم به، لذا كان في المقدِّمة دائماً، وقد أخبر أمير المؤمنين علي عليه السلام عن ذلك فقال: "كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ"(6). من هنا كان أمْرُ المسلمين باتباع الرسول صلى الله عليه وآله والتآسي به في كلِّ ما عاناه وتكبّده في جنب الله وجهاده في الله حق الجهاد، رجاءً لثوابه وشوقاً للقائه. ومن الطبيعي أنّ هذه المعنى لا ينحصر فقط في هذه المناسبة فحسب، بل إنّ شخصية رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله تعتبر بالنسبة لنا قدوة وأسوة عظيمة لتربيتنا في كلّ زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأوضاع. وعن أهمية الاقتداء ومدى تأثيره في نفوس الناس ومصيرهم يقول الإمام الصّادق صلى الله عليه وآله: "لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح. قال الله عزّ وجلّ لأعز خلقه محمد صلى الله عليه وآله ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه، فلو كان لدين الله تعالى عزّ وجلّ مسلك أقوم من الاقتداء لندب أنبياءه وأولياءه إليه"(7). وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله: "في القلوب نور لا يضيء إلا من اتّباع الحق وقصد السبيل وهو نور من المرسلين الأنبياء، مودع في قلوب المؤمنين"(8).

* القدوة السيئة مفتاح جهنم
أمَّا عاقبة التأسي والاقتداء بالنموذج الثاني وهم أهل الباطل من المستكبرين والمعاندين والمترفين، أصحاب الأهواء الفاسدة والنفوس المريضة، فيقول فيها عزّ وجلّ: ﴿وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ في‏ قَرْيَةٍ مِنْ نَذيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى‏ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ * فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبينَ(الزخرف:23-25).  فمن جعل الدنيا أكبر همه وهدفه النهائي، واتخذ طلاّبها ومترفيها من أرباب الأموال وأهل الجاه والمناصب قدوة وأسوة وقام بتقليدهم بشكل أعمى، فذلك سوف يورده وادي الهلكة. كما إنَّ عاقبة التبعية السياسية للظالمين والمستكبرين لا تقلّ خطورة عن تبعية المترفين من أهل الدنيا، لأنهم في حقيقة الأمر إنما يدعون أتباعهم ويسوقونهم إلى النار ﴿وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ(القصص:41). ففرعون الذي نصّب نفسه إلهاً ﴿وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْري(القصص:38)، كانت عاقبته الخسران المبين ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمينَ(القصص:39-40).


(1) حديث شريف، أصول الكافي: ج2، ص375.
(2) التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج1، ص90.
(3) ن.م.
(4) ن. م، ص 216.
(5) مجمع البيان في تفسير القرآن: ج7، ص284.
(6) بحار الأنوار: ج19، ص 191.
(7) التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، ج1، ص332.
(8) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج2، ص265.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع