نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخلاقنا: لا يسخـرْ قـومٌ مــن قـــوم (2)


آية الله الشيخ مجتبى الطهراني قدس سره


بعد أن تناولنا في العدد السابق أقسام الاستهزاء والسخرية، ولماذا يعدّ هذا الأسلوب قبيحاً عقلاً، وحراماً شرعاً، لا بدّ من البحث، في هذا المقال، عن جذور الاستهزاء والسخرية، ونتائجهما في الدنيا والآخرة.


* جذور الاستهزاء والسخرية

للاستهزاء والسخرية عوامل وجذور باطنيّة عديدة، منها ما يرتبط بالقوى الشهويّة، ومنها ما يرتبط بالقوى الغضبيّة. ولهذا الفعل المذموم جهات شهوية أحياناً، كتحصيل المال أو الجاه والمقام، ومنها جهات لها علاقة بالغضب والسخط كالحقد والعداوة.

ومن هذه العوامل والجذور المؤثِّرة:
1- الطمع بالمال أو المقام: قد يستهزئ بعضهم بالآخرين، فيصفّقون طرباً للأغنياء، أو لأرباب المناصب؛ لتدُرَّ عليهم الأموال عبر هذا الطريق، أو ليحصلوا على الجاه والمقام، فيكون هذا العمل مصدراً للرزق أحياناً، وقد يقومون بعرض سوابقهم وأنشطتهم، كالمهرّجين العاملين في البلاط الحاكم، فهم يسخرون من الآخرين من أجل إضحاك الناس وتسليتهم.
وأحياناً لا يُعدّ هذا الفعل المذموم عملاً لهم، بل يقومون في بعض الأوقات بتسلية الآخرين وإضحاكهم من خلال السخرية من بعض الناس، ويسمّى هذا الفسق، ويُسمّى فاعله فاسقاً، وتُسمّي المجتمعات البشرية المعاصرة بعض هذه الأفعال فناً، وفاعله الفنّان(1).

2- الحقد والكراهية:
قد تحدث السخرية من الآخرين والاستهزاء بهم بغية إطفاء نار الغضب، وإظهار العداوة والحقد. وتكون دوافع المستهزئ في هذه الحالة، إظهار كراهيَته للمُستَهزأ به المعيَّن الذي يقصده، وحقده عليه، فهو بهذا الفعل يسعى إلى تخريب سمعة الآخر وإهانته، وهذا يعبّر عن كراهية المستهزئ لمن يقصده وبُغضه له. وقد يكون السبب هو عداءه لهذا الفرد المذكور، ومن ذلك عداوة الكفّار للمؤمنين الذي يؤدّي إلى الاستهزاء بالمؤمنين والسخرية منهم.

3- الحسد:
يمكن عَدّ الحسد لمواقع الأشخاص ورتبهم عاملاً مهمّاً للسخرية منهم والضحك عليهم، فالشخص الحاسد الذي لا يمتلك الموقع المهمّ نفسه الذي يملكه المحسود، أو من وقع نظره عليه، يسعى وبأيّ طريقة ممكنة إلى التوهين موقعه، والتنقيص من شأنه، ومحاربته.

* النتائج المذمومة للاستهزاء والسخرية

للاستهزاء بالآخرين والسخرية منهم أضرار ونتائج مذمومة وغير مفيدة في الدنيا والآخرة، وهي تختصّ بالمستهزئ والمجتمع البشريّ، ومن ذلك:

أ- النتائج الدنيويّة:

1- الاستخفاف بالساخر: يكون الساخر، بارتكابه هذه الأفعال السخيفة والمضرّة –قبل أيّ شيء آخر-، فرداً ضعيفاً وهزيلاً، وسبباً في الاستخفاف به، وهدر كرامته، وإذهاب وقاره وهيبته.

2- الحقد والعداوة:
قد ينتج عن الاستهزاء نوع من الحقد والكراهية بين الساخر والمُستهزَأ به.

3- ضعف رابطة الأخوّة:
السخرية تضعف رابطة الأخوّة بين المؤمنين، وتقضي عليها؛ وذلك لأنّ ضحك السامعين والمراقبين لمشهد الاستهزاء والسخرية، يُضعف رابطة الأخوّة، ويؤدّي إلى زوالها.

4- العقوبة في الدنيا:
إنّ للسخرية من النّاس والاستهزاء بهم عقوباتٍ إلهيّةً في الدنيا، ولعلّ كثيراً من هؤلاء المستهزئين سيبتلون بما كانوا به يستهزئون، وسيُسخر منهم كما كانوا من غيرهم يسخرون.
روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال في خطبة له عليه السلام لتوضيح الذنوب وأنواعها وبيانها: "والذنوب التي تنزل النقم... والاستهزاء بهم [بالناس] والسخرية منهم"(2).

قال الشاعر الفارسيّ جلال الدين الرومي شعراً معناه:
"كلّ من يستهزئ بخواصّ عشّاق الحقّ * فسيضرب على الهامة بسيف غضبه من قِبَل الجلّاد البطل القويّ.
ولا يهمله غضب الله ما بقي يتنفّس * وإن كانت الطاعة لأهل السماء والأرض، فليَعتبر من إبليس!
وهذا جيل آدم، قد سوَّدَ وجه الشيطان * بسبب سخريّته بآدم.
لقد سخِر أبو جهل بأحمد المرسل صلى الله عليه وآله وسلم * وكذلك واجه موسى بن عمران سخرية فرعون.
فصبراً، حتى حلّ بأبي جهل * وفرعون عذاب الله الأكبر"(3).

ب- النتائج الأخرويّة:
1- السخرية من المستهزئ يوم القيامة:
روي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ المستهزئين بالناس يُفتح لأحدهم باب من الجنّة، فيقال: هلمّ، فيجيء بكربه وغمّه، فإذا أتاه أُغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلُمّ هلُمّ، فيجيء بكربه وغمّه، فإذا أتاه أُغلق دونه، فما يزال كذلك، حتى إنّ الرجل ليُفتح له الباب، فيقال: هلُمّ هلُمّ فما يأتيه"(4).
وتتناسب عقوبة كلّ شخص مع عمله في يوم القيامة، فإذا سخر من أحد، سخر هذا منه. وإذا ذاق الإنسان جزاءه العادل الذي يتناسب مع عمله، فسيحسّ بأثر عمله المذموم والسيّئ.

وبعبارة أوضح: تكون القيامة ساحة "لتجسّم الأعمال" أو "مشاهدة حقيقة العمل" الذي يصدر عن الإنسان. ولأعمال الإنسان باطن وحقيقة، حيث يُحرم الإنسان، بسبب ابتلائه بالحجب الدنيوية، عن مشاهدتها. وعند إزهاق أرواح النّاس وخروجها من الدنيا، ودخولها إلى عالم القيامة، عبر هذه الحجب، سيرون أعمالهم على حقيقتها وكما هي عليه، وقد أخبر الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم عن عاقبة من سخر من أهل الإيمان واستهزأ بهم في الحياة الدنيا، فقال: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (المطففين: 34-35).

2- إبعاد المستهزئ عن رحمة الله:
سيُجازى كلّ من سخر من الآخر بتصرفه السيّئ بسبب إيذائه؛ لأنّ إيذاءه هو إيذاء لله، ومن آذى الله، أبعده الله عن رحمته؛ فإذا استهزأ، مثلاً، بالأعمال الصالحة أو العقائد الحقّة والصائبة للمؤمن وسخر منها، سيُجازى بأشدّ العقوبة والعذاب في الآخرة، ولعذاب الله في الآخرة أشدّ وأخزى(5).


1.يشمل هذا الحكم كلاً من الطرفة والفكاهة، والكاريكاتور، إذا كان في مقام السخرية.
2.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج16، ص281، ح21556.
3.ديوان شمس، الغزل، العدد 1967.
4.المحجّـــة البيضاء، الفيض الكــاشاني، ج5، ص236.
5.مستــــدرك الوسائل، المحــدّث النوري، ج9، ص99، ح10335.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع