مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

نصوص تراثية: تذكر يا ولدي: أنك مبتلى بمخالطة العباد(*)


السيّد رضيّ الدين ابن طاووس


واعلم يا ولدي محمَّد، أنك تُبتلى بمخالطة العباد بأن يتّفق لك أن تثق بعهودهم أكثر من وعود مولاك، وأنت تعلم أنهم يمكن أن يموتوا قبل إنجاز الوعود، ويمكن أن يخلفوا ولا يفوا بالعهد، ويمكن أن يحول بينك وبين الانتفاع بوعودهم لو أنجزوها حوائل، ويشغلك عنها شواغل، فكيف رضي عقل العاقل وفضل الفاضل بترجّح وعد المملوك المعوّد بالجنايات والخيانات وتضييع العهود والأمانات، على وعد القادر بذاته، الكريم لذاته، الذي لا حائل بينه وبين سائر مقدوراته؟

*يغضب لنفسه
وممّا يُبتلى به المخالط لهم أنّهم إذا كسروا حرمته بقول أو فعل من معاند، أو من يفعل ذلك به على جهل، أو يكون كما قدّمناه غضبه بذلك لما جرى أكثر من مخالفة الله جلَّ جلاله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قبل غضبه لنفسه، ويعدل في غضبه ورضاه عدلاً يسلّمه من خطر حسابه وسؤاله.

وممّا يُبتلى به في مخالطتهم أنّه يراد منه ألّا يشتغل بإقبالهم وثنائهم عليه عن إقباله على الله عزَّ وجلّ جلاله عليه، ولا يعطيهم من قلبه إذا أحسنوا إليه أكثر، ولا مثل إحسان الله جلَّ جلاله إليه، بل يكون له شغل شاغل بإحسان الله جلَّ جلاله في العاجل والآجل عن كلّ محسن مدّة إحسانه، فإنّه إن دام على ذلك فهو مقدار أوقات قلائل.


*وعدهم أرجح من وعيد الله
واعلم أنّك يا ولدي تُبتلى مع مخالطتهم بأن يكون وعيدهم وتهديدهم أرجح من وعيد الله جلَّ جلاله وتهديده، وفي ذلك مخاطرة مع الله جلَّ جلاله، واستخفاف بأهوال وعيده.

واعلم أنه يُبتلى المخالط لهم بالأُنس بهم أكثر من أُنسه بمولاه ومالك دنياه وأُخراه، وإنّما حصل الأُنس بمخالطتهم بوجود العبد وحياته وعافيته، وكلّ ذلك من رحمة مولاك ومن نعمته، فكيف جاز تقديم الأُنس بسواه عليه، والعبد الذي بين يديه وسيّده مطّلع عليه؟

واعلم أنّ الإنسان قد يُبتلى أيضاً بالمخالطة للعباد بحبّ مدحهم وكراهة ذمّهم، ويشتغل بذلك عن حبّ مولاه وذمّه له، وعن حبّه هو لمولاه، وعن الخوف من ذمّه إذا عصاه.

وممّا يُبتلى به المخالط لهم أنّ الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ونوّابه الطاهرين يريدون منه العدل مع الذين هم له مخالطون أو معاشرون أو مصاحبون، وأن يكون تقرّبه لهم وإقباله عليهم في قوله وإحسانه إليهم على ما يعرف ويظهر له من قربهم من الله عزَّ وجلَّ ورسوله P وخاصّته، وعلى قدر رغبتهم في طاعة الله جلَّ جلاله ومراقبته.

*مخالطة الناس وفساد العبادات
وممّا يُبتلى به في مخالطتهم ما قد صار عادة وسبيلاً من الغيبة والنميمة، والحسد والكبر والأخلاق الذميمة.

ولقد رأيت البلوى بمخالطتهم قد سَرَت إلى فساد العبادات، حتّى صارت زيارة أكثر الإخوان متعلّقة بنفع دنيويّ، أو دفع خطر دنيويّ، ويستبعد سلامتها من سقم النيّات.

وصارت عيادة المرضى على سبيل التوجّع والتألّم للمريض، كأنّ الله جلَّ جلاله قد ظلمه بالمرض، وكأنّ حقّ العائد لأهل الأمراض أن يهنئهم بتلك الأمراض؛ لأنهم: إمّا مسيئون ويريد الله جلَّ جلاله بمرضهم تكفير السيّئات، أو ما هم من أهل الجنايات فيريد الله جلَّ جلاله بأمراضهم من ارتفاع الدرجات، ما لو اطّلعوا عليه وجدوه قد شرّفهم بتلك الحادثات. وكانت الحال عندهم مثل طبيب قَصَدَ إنساناً وقت عافيته ليأمن بذلك من سقم أو نقص يتجدّد بمهجته، أو لحفظ ما هو أهم على المقتصد من سعادته.

أما يرضى ابن آدم أنّه يوسّخ قلبه وعقله ولسان حاله بجنايات فعاله ومقاله، ويأتي الله جلَّ جلاله على صفات غاسل من الأمراض لأقذاره ومطهّر الأرجاس بيد اقتداره؟!


(*) كشف المحجّة لثمرة المهجة، السيّد رضيّ الدين ابن طاووس.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع