ديما جمعة فواز
خرجت نرجس من غرفتها مقفلةً خلفها الباب، وخبّأت المفتاح في جيبها وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة المنتصر: لقد تمكّنَتْ بإرادتها الصلبة أن تقنع بالأمس والديها بحقها في أن تقفل غرفتها كي لا يتمكّن أحد من الدخول إليها والعبث بأغراضها الشخصية. لطالما أثار موضوع خصوصيّة نرجس المشاكل في المنزل، مع والديها من جهة ومع إخوتها من جهة أخرى. أما الآن، فقد أصبحت غرفتها خطاً أحمر، ومن الآن فصاعداً لن يدخلها أحد إلّا تحت رقابتها!
توجّهت نحو المطبخ وقد افتقدت صوت والدتها تناديها لتناول طعام الغداء. وقفت لثوان أمام باب المطبخ. لقد كان مغلقاً على غير عادة. مدّت يدها ودفعته بهدوء، لتجد أمّها تقف عند طاولة المطبخ، تهمس عبر سماعة الهاتف وتكتب على ورقة صغيرة، ما إن رأتها الوالدة، حتى أقفلت الخط، وبدت مرتبكة، وبيد مرتجفة فتحت الجارور ووضعت الورقة في علبة صغيرة والتفتت نحو ابنتها: "نرجس! متى أتيت يا ابنتي؟ سأتوضأ وأصلّي ثم نتغدّى سوياً.. حسناً؟". لم تنتظر الأم إجابة الفتاة، وهرولت مسرعة من المطبخ.
وقفت نرجس لثوان تحاول تحليل هذا القلق الذي يبدو على محيا الأم، واللعثمة في التعبير. مع من كانت تتكلم هامسة على الهاتف؟ وما هي تلك الورقة؟
توجهت بخطى واثقة نحو الجارور، فتحته، أمسكت العلبة بتردد، فتحتها وأخرجت منها الورقة الصغيرة. استغربت عبارة كُتبت عليها من الخارج: "خاص جداً".
نظرت حولها وفتحت الورقة بسرعة. كانت تعرف أن سلوكها غير لطيف في انتهاك خصوصية والدتها، ولكنها تذرّعت بأن أمها ربما تواجه معضلة وهي تريد أن تعرف بها علّها تتمكّن من المساعدة.
ثوان قليلة.. وتحوّلت ملامحها من خوفٍ إلى تعجّب واستنكار، جلست على كرسي المطبخ وأخذت تقرأ الكلمات بهدوء:
"ابنتي الحبيبة، أنا أكيدة أنك فتحت الجارور والعلبة أيضاً، ولم تردعك عبارة خاص جداً، ولم تحترمي القواعد التي فرضتها علينا.. ولا بدّ أنك مقتنعة بحقك في معرفة ما يشغل بال والدتك بدافع القلق عليها.
حسناً.. لقد اعتدتُ ووالدك، أن تدخلي غرفتنا، وتتدخلي في حواراتنا، وكنتِ دوماً تنادين بضرورة مشاركتنا أنا ووالدك كل شيء، إننا أسرة واحدة.. أما اليوم، وقد أمسيت شابة في العشرين من عمرك أمسيت تتذرّعين بالحجج لحماية ما تسمّينه خصوصيتك.. سأدعك تفكرين قليلاً.. وأنا أكيدة أنك ستتخذين قراراً صحيحاً بشأن ما حصل الآن".
تنهدت نرجس بعمق، وانتفضت مبتسمة، توجهت نحو غرفتها وفتحت الباب منادية والدتها: "أمي، حين تُنهين وضوءك، تعالي لتصلّي في غرفتي بينما أقوم أنا بتحضير الغداء".