نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة*

الشهيد السيّد عبد الحسين دستغيب قدس سره

 

عند مشاهدة المخلوقات، فإنّه يجب أن يتذكّر الإنسان خالقها وموجدها، فيعرف قدرته وحكمته اللامتناهيتين، وكذلك سائر صفاته الكماليّة، ويُدرك أنّ نعمه التي لا تحصى هي منه تعالى فيستشعر حبّه.

•تذكّر الخالق: أمر مستحبّ

عندما يعرف الإنسان الله ويحبّه عن طريق ذكره عند رؤية مخلوقاته، فإنّ استمرار هذه الحالة فيه مستحبّ؛ أي يستحبّ أن يذكر الله عندما يرى أيّ شيء من مخلوقاته، وعندما يواجه أيّ نعمة من نعمه، ولا ينسى الله أبداً بوجه من الوجوه.

وهذه المرتبة من الذكر هي أفضل العبادات، وقد أشير إلى ذلك في آيات عدّة من القرآن المجيد، من ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: 191)؛ أي الذين لا ينسون الله سبحانه ولا يغفلون عنه نهائيّاً وفي أيّ حال. ويقول تعالى: ﴿فَاذْكُرُواْ آلاء اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (الأعراف: 74). وفي هذه الآية إشارة إلى أنّ في ذكر الله الصلاح، وفي الغفلة عنه الفساد.

•ذكر الله أكثر من ذكر الأب

كان العرب في الجاهليّة يقضون أيّاماً في منى بعد انتهاء أعمال الحجّ وينشغلون فيها بالتفاخر شعراً ونثراً. وفي هذه الآية ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ (البقرة: 200)، يأمر الله سبحانه المسلمين أن يشتغلوا بذكر الله بعد انتهاء أعمال الحجّ أكثر ممّا كان العرب في الجاهليّة يذكرون آباءهم في هذه الفترة، لأنّ الأب واسطة في التربية ليس إلّا، وهو في هذا مسخّر من الله سبحانه، وهذه التربية هي في الحقيقة كسائر النعم التي لا تحصى وكُلّها من الله سبحانه. فإذاً، يجب شكره هو سبحانه والافتخار به والاتّكال عليه.

﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ (البقرة: 198)؛ أي يجب ذكره سبحانه في نعمة الهداية التي هي من النعم المعنويّة، وعدم الغفلة عنها، والالتفات إلى أنّها من الله عزّ اسمه. ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة: 10).

•استمرار ذكر الله عند كلّ نعمة

وخلاصة القول إنّه يجب ذكر الله عند كلّ نعمة، إذ إنّ ذكره هو وسيلة معرفته سبحانه وحبّه والإيمان به، وهذا أمر واجب. أمّا الاستمرار في الذكر عند كلّ نعمة فهو مستحبّ وموجب للقرب منه تعالى وسبب للاستفادة من منزلة الشاكرين، ولكن يجب أن يُعلم أنّ استمرار الذكر عند كلّ نعمة أمر صعب وشاقّ ولا يقدر عليه الإنسان، لأنّ النعم الإلهيّة على البشر لا تحصى ولا تعدّ(2)، وغفلات الإنسان اللااختياريّة كثيرة جدّاً.

فمثلاً: إحدى النعم الإلهيّة جهاز التنفّس الذي يعمل في اليوم والليلة 24000 مرّة بسهولة، في حين أنّ قسماً مهمّاً من عمله يكون أثناء النوم، وفي اليقظة تمنع الانشغالات الإنسان عن الانتباه إلى هذه النعمة، وقد أجاد سعدي الشيرازي في بيان هذه النقطة بقوله: "كل نفَس ينزل يمدّ الإنسان بالحياة، وكلّ نفس يصعد يُفرح الإنسان". إذاً، في كلّ نفَس نعمتان، وكلّ نعمة يجب الشكر عليها.

كما أنّ ذكر الله سبب في ازدياد المعرفة والحبّ والسعادة في الدارَين، وفي مقابل ذلك الغفلة عن ذكر الله التي هي سبب الشقاء والحرمان ونسيان الإنسان نفسه؛ أي لأنّه نسي الله فسينسيه الله نفسه ويُحرم في النتيجة من منزلة تحصيل السعادة التي هي الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ (الحشر: 19)؛ أي لم يستفيدوا من الدنيا أيّ فائدة أخرويّة.

•لا يفهم من نفسه إلّا البدن

إنّ من الثابت بالبراهين العقليّة والنقليّة أنّ حقيقة الإنسان هي هذه النفس، والبدن بمنزلة واسطة نقل ووسيلة أعمال لها، وكلّ حركات البدن فإنّما هي منها، وبفساد الجسد وموته تنفصل الروح عنه ولكنّها لا تفنى، بل تبقى في عالم الملكوت وتخلد وتظلّ تتنعّم بآثار أعمال الخير التي أدّتها بواسطة الجسم، كما أنّها إذا كانت قد أدّت أعمال شرّ فإنّها تظلّ في عذاب دائم.

الإنسان الذي نسي الله في الدنيا ولم يعرفه، ولم يتّجه إليه، فهو في النتيجة ينسى أيضاً ذاته وحقيقته، ويظنّ أنّه هو فقط ذلك الجسد، وحياته فقط بضعة أيّام في الدنيا. إنّه يحسب أنّ الموت فناؤه الحقيقيّ، وهو لذلك يجعل كلّ همّه تأمين حياته الماديّة وسلامة جسده، بحيث إنّه يجتنب أصغر الأمور التي يعدّها مؤثّرة على سلامته البدنيّة، ولكنّه لا يجتنب أبداً الأشياء (الذنوب) التي تقضي على سلامة نفسه. إذا ابتُلي بمرض عاديّ بسيط، فإنّه ينهمك في علاجه بواسطة الطبيب أو الدواء أو عمليّة جراحيّة، ولا يتردّد في صرف المال والوقت لذلك أبداً، أمّا مرضه النفسيّ الذي سيظلّ يعاني العذاب من أجله آلاف السنين في عالم البرزخ، فإنّه لا يحسب له أيّ حساب.

من الواضح أنّ هذا ناتج عن نسيان الذات الذي هو نتيجة طبيعيّة لنسيان الله. لا نقول إذا مرض البدن فلا يداويه، بل تجب معالجته حتّى يتمكّن من فعل الخير بواسطة البدن السليم، ولكن المفروض أن يكون الاهتمام بمرض النفس أكثر بآلاف المرّات. وطبيعيّ أنّ الإنسان يفعل ذلك عندما يعرف نفسه ولا ينساها، وهذا إنّما يكون إذا عرف ربّه وجعله نصب عينيه دائماً.

"لا تمسح الجسد بالمسك، بل امسح به القلب، وليكن مسك الاسم الطاهر ذي الجلال"(3).

*مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 1، ص 230- 236.

1.﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ (إبراهيم: 34).

2.مضمون بيت من الشعر الفارسيّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع