أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

شهيد الوعد الصادق المهندس موسى كمال مرعي


نسرين إدريس قازان

شهيد الوعد الصادق المهندس موسى كمال مرعي (علي سبيتي)
اسم الأمّ: ناهدة سبيتي.
محلّ الولادة وتاريخها: كفرا 9/3/1980م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
تاريخ الاستشهاد: 16/7/2006م.


يستحيل أن يعرف المرء ما ينتظره في القادم من الأيّام، ولكنّ موسى خمّن مصيره مذ كان طفلاً في الثالثة من عمره، حين أخبر أمّه أنّه شاهد رؤيا وهو يمسك بيدها ويمشيان بالقرب من منزل أمّ شهيد، فقال لها: "أمّي لا تحزني عليّ، سيهدر دمي في سبيل الله"!

* مجتهد ومثابر
في أفريقيا، حيث كان والده يعمل، ولد موسى الابن البكرُ لوالديه. ومع بلوغه السنتين، صار يفهم على والديه من الإشارة وهما ينبّهانه من التصرّف الخاطئ. ولمّا حان وقت دخوله إلى المدرسة، وجد موسى صعوبةً في دراسة اللغة العربيّة وفهمها. ولكنّه بعد كثير من المثابرة والجهد الشخصيّ، صار ينال درجات عالية في جميع مواد اللغة العربيّة، حتى ضُرب به المثل بين أقرانه. وقد برز ذكاؤه وسرعة استيعابه وقدرة تحليله للأمور كثيراً.

* الانتقال إلى لبنان
ما إن بلغ موسى العاشرة من عمره، حتّى قرّر والده العودة إلى لبنان رغم ضيق الحال؛ ليعيش أولاده في بيئة متديّنة وسليمة، فنشأ موسى لسنتين في قريته كفرا، التي كانت إحدى قرى المواجهات مع العدوّ الإسرائيليّ، وتأثّر بقصص خاله الشهيد حسن سبيتي. ولمّا انتقلت العائلة إلى بيروت، وصار في عمر الخامسة عشرة، التحق موسى بالتعبئة التربويّة، ومنها انتقل إلى التعبئة العسكريّة.

* "المهندس" الصغير
إنّه الشابّ المبدع، المختصر لحقبة طويلة من الزمن بذكائه وحنكته، الذي أبهرَ مسؤوليه بعمله وسرعة إنجازه، حتّى أنّه أنهى دورته، التي كان من المفترض أن تستغرق ستّة أشهر، بمئة يوم فقط.

الشهادة، العنوان الأكثر حضوراً في حديث موسى، خصوصاً مع أمّه، التي ساهمت السنوات الستّة عشرة التي تكبره فيها في بناء علاقة صداقة قويّة بينهما، فكانت تشعر أنّه أخوها وصديقها وليس ابنها فحسب، وقد عمّقت شخصيّة موسى هذا الشعور، شخصيّته المتحمّلة للمسؤوليّة والواعية والإداريّة والمخطّطة، فلم يشكّل سفر والده لتأمين قوت العيش ثغرة في علاقته مع إخوته الخمسة الذين يصغرونه، إذ تكاتف ووالدته في تنظيم شؤون الحياة.

كان يخطّطُ لكلّ شيء قبل الشروع فيه، ويحدّد نقطة الهدف التي يريد الوصول إليها. وكان كثير الطموح لدرجة أنّه قال ذات يوم إنّ حلمه أن يصنع طائرة ويقودها ليقصف بها العدوّ الإسرائيليّ، فوعى باكراً على هذا الطموح، وصار يهوى منذ الصغر الفكّ والتركيب والتوصيل، لذا، ما إن نجح في الشهادة المتوسّطة حتّى تسجّل في الاختصاص الذي يحبّه في معهد فنيّ يتناسب وقدرات أهله وطموحه، فأبدع في دراسته التي مزجها بالعمل، وتحوّل إلى "مهندسٍ" صغير يرافقه صندوق العدّة أينما يذهب، وحوّل أيّام عطلته القليلة إلى أيّام عمل تطوّعيّ لكلّ من يحتاج إلى إصلاح قطعة كهربائيّة أو تمديدات أو أيّ من أعمال السنكريّة، أو الدهان، حتّى أنّ أمّه أخبرته ذات يوم أنّ خالته في بيروت تشتاق إلى رؤيته، فضحك قائلاً: "كهرباء أم سنكريّة؟"، فردّت: "لا، مجرّد اشتياق".

* فرصة العمر
خفّف موسى الكثير عن كاهل والده الذي كان يضطرّ إلى السفر كلّما سنحت له الفرصة من أجل العمل، فموسى رجل بكلّ معنى الكلمة، وإن لم تخطّ الرجولة ملامحه. ولمّا قدّم امتحاناته الجامعيّة وحصد المرتبة الأولى، قضى سهرة مع والديه وهو يخبرهما عن الآفاق التي تفتّحت له بعد نجاحه، خصوصاً أنّه كان قد بدأ العمل في مصنعٍ إلى جانب متابعة دراسته.

في أحد الأيّام، كان موسى أمام خيارات عملٍ هي بمثابة فرصة العمر التي لا يفوّتها أحد، فقد عُرض عليه عمل في دولة خليجيّة براتب مرتفع، فيما عرض عليه صاحب المصنع البقاء براتب يحدّده موسى بنفسه، وكأنّ باب الفرج لعائلة تعيش ضيق الحال قد فُتح، ولكنّ موسى رفض كِلا العملين، قائلاً إنّهما سيبعدانه عن المكان الذي يحبّ أن يكون فيه، وعن البيئة التي ينتمي إليها، وقد خشي أن يتعلّق بالدنيا من حيث لا يشعر، فتخلّى عن كلّ شيء ليلتحق بصفوف المجاهدين.

* عمل دؤوب
لقد أخذ العمل الجهاديّ كلّ وقته، وكان شديد الكتمان حول كلّ ما يتعلّق بعمله، لدرجة أنّ الجميع كان يعتقد أنّه يعمل في أحد المعامل، وصار يتنقّل إلى مركز عمله بحذر وحيطة. وكان من بين خطط موسى لتحسين معيشة أهله وشراء بيت له ولهم، أن يؤسّس مصنعاً صغيراً يسلّم إدارته لأخويه، فيما يتفرّغ هو لعمله الجهاديّ ولإنهاء دراسة الماجستير. وقد أحبّت أمّه أن تخطب له، خصوصاً وأنّه بلغ السادسة والعشرين من عمره فيما لا يزال العمل يستغرق جلّ وقته واهتمامه، إلى أن تمكّنت من إقناعه بالتفكير في الزواج وتكوين الأسرة، واتّفقا أن تطلب له عروساً خلال عطلة الصيف.

* الاتّصال المرتقب
جاء ذلك الصيف الذي لم يكن كغيره من الفصول. فبعد مضيّ أسبوعين على إقامة أمّ موسى مع إخوته في القرية، اتّصلت بزوجها واستأذنته أن تزور أهل العروس بحضور أعمام موسى، فوافق. وكان من المفترض أن يصل موسى إلى القرية نهار السبت، ولكنّه اتّصل بها نهار الجمعة وطلب إليها أن تؤجّل كلّ شيء بسبب انشغاله، على أن يتّصل بها لاحقاً ويحدّد موعداً جديداً.

لم يتحقّق ذاك الاتّصال، فقد نشبت الحرب في الثاني عشر من تمّوز 2006م، وحوصرت الأمّ وأهلها وأولادها في القرية، وكانت تظن أنّ موسى في بيروت. ولشدّة القصف الذي تعرّضت له البلدة، صارت تزور أهلها تحت عيون الطائرات للاطمئنان إليهم والعودة إلى حيث مكثت مع أولادها. في آخر زيارة لها، رأت أفراد عائلتها مجتمعين وقد ساد وجوهَهم الحزن، فانقبض قلبُها، واخضرّت يداها، وأصاب عينيها الجمود. وبينما كان الجميع صامتين، حدّثت نفسَها قائلة: "يبدو أنّ أخي وساماً راح شهيداً"، ولكن ما لبثت إلا قليلاً حتى جاءها الخبر الأشدّ على قلبها: "ذاك الشهيد الذي نجتمع لأجله ها هنا، هو ابنك موسى"! ثمّ كان الصبر حليفها. وانتظرت انتهاء الحرب لتلتقي جثمان ابنها، وإذ بها تجد نفسها بين نعشين، نعش ابنها موسى، ونعش أخيها.

* صدقة جارية
"استشهد موسى ولكن إنجازاته في المقاومة الإسلاميّة خالدة، فهي كالصدقة الجارية"، بهذه الكلمات قدّمت المقاومة العزاء والتبريك لوالديه، اللذين أُخبرا أنّه كان استشهاديّاً في آخر لحظات حياته؛ فبعد أن جاء أمرُ إخلاء مقرّ الإخوة المجاهدين، استهدفت الطائرات الحربيّة المكان المحيط بهم، فخرج ورفاقه على عُجالة، ولكنّه التفتَ إلى بقاء ثلاثة مجاهدين في الداخل، فطلب إلى رفاقه الابتعاد عن المكان بأسرع ما يمكن، على أن يلحق بهم بعد سحبه الجرحى، إلّا أنّ الطائرات أغارت على المقرّ، فسقط على الأرض مضرّجاً بدمائه وعلى كتفه جريح، فقضى ورفاقه الثلاثة!

لم يفارق موسى أمّه قطّ، فعلى الرغم من مرور السنين على استشهاده، فهو لا يزال يزورها في المنام ويخبرها أنّه سيعود وأن الملتقى سيكون قريباً، لدرجة أنّها صارت تعرّف عنه بـ"ابني الذي كان شهيداً". وقد شاهدته أيضاً إحدى النساء في منامها وثلّة من الشهداء وهم يرشدونها إلى قصورهم في الجنّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع